درس مسلسل الحشاشين الثانى هو اصنع جنتك على الأرض، اجعل دنياك جنة، بالعمل والشغل وحب الحياة والمثابرة والجد والفن والعلم. حسن الصباح أشعل خيال الشباب الذى جنّده بالجنة الموعودة التى فيها سيُمارس كل المتع المؤجّلة، استغل الكبت والحرمان الجنسى لإشعال خيالاتهم وأحلامهم مع الحور العين والغيد الحسان، كلّف سيدة خبيرة فى شئون تجميل النساء وتعليمهن وتدريبهن على الدلع والدلال وكيفية إثارة لهيب الخيال الجنسى عند الشباب المسجون فى قلعة ألموت، والتى لو عدّلنا الإملاء فيها ستُصبح قلعة الموت، ومن هنا يُصبح الجنس عند هؤلاء الشباب هو الحبل السرى الذى يصلهم بالحياة، ينزع عن الحب كل معانيه فيصبح أداءً ميكانيكياً روتينياً خالياً من أى مشاعر أو عواطف أو حميمية، جعلهم فى حالة انتظار مزمنة ممتدة بلا نهاية، الانتظار نفسه نوع من المخدرات، لكن حسن الصباح كانت لديه مخدرات حقيقية يستخدمها، نبات السحر الذى اكتشفه زيد بن سيحون، الذى قتله الصباح فى النهاية، أفكار جنة الصباح الموعودة هى فى حد ذاتها مخدر، أضيفت إليها المخدرات الحقيقية فصارت الجرعة مضاعفة، والوعد مضاعفاً، والكذبة ضخمة، المختار يقتل الضحية ثم يقتل نفسه وهو يصرخ «أنا فداء صاحب مفتاح الجنة».نفس غسيل المخ الذى يحدث الآن عندما يرتدى الإرهابى الحزام الناسف ويفجر كميناً أو مديرية أمن أو أوتوبيساً سياحياً، وبعدها يفجّر نفسه ويتفتت متحولاً إلى أشلاء، كيف يجتمع هذا الشبق إلى المتعة مع هذا الشبق إلى الموت والفناء؟! هذه هى خطة الصباح وأحفاده سواء إخوان أو دواعش أو قاعدة أو بوكو حرام.. إلخ، يفعلها ويطبخ تلك الطبخة المسمومة بقلب بارد وبذكاء شرير، يغيّب عقولهم بفكرة الجنة للمختار، قبلها يغيب وعيهم بالمخدر الذى يقتل كل خلايا الشك والسؤال وعلامات الاستفهام والتمرّد، يسرى فى أجسادهم، فيخلق حالة التبلّد، التى تقتل كل ما هو إنسانى وجميل فى البشر، الدرس هو أنك لا تستطيع مواجهة الحشاشين الجُدد، إلا بخلق تلك الجنة الموازية على الأرض، بالتعليم الذى يجعل كل فرد صانعاً لخيط فى نسيج الجنة الجماعية.زراعة إحساس أنه فرد له كيان وليس مجرد ترس فى ماكينة تخرج إلى الدنيا نفس النّسخ الفوتوكوبى، تعلم أن هناك اختلافات بين البشر، ليسوا روبوتات، وأن كل واحد منا عنده عيب فى الكتالوج الإنسانى، وعليه أن يقبله، وعلى الآخرين أن يتعاملوا معه على أنه بشر، لا قديس ولا ملاك، هكذا نستطيع أن نحصل على سلام نفسى دون إحساس ذنب متضخّم، نستطيع أن نفرح دون أن نقول «اللهم اجعله خير». اختلفت مستويات المسلسلات المعروضة فى موسم رمضان 2024 من الناحية الفنية، بعضها ربح وبعضها خسر، فى النهاية هذه هى النتيجة المنطقية للمنافسة، لكن خروج الموسم ككل بهذا المستوى الفنى الجيد يدل بالتأكيد على حجم النجاح والقدرات المملوكة لصناعة الدراما التليفزيونية فى مصر، والذى أكد عليها موسم رمضان وظهرت قدراتها للمتخصصين بقوة منذ سبتمبر 2022 مع التنظيم الذى شهدته هذه الصناعة تحت مظلة الشركة المتحدة.لم يكن ممكناً أن يظهر الموسم مع كل هذا الاحتفاء بالمواهب الشابة التى ظهرت فى المسلسلات دون أن نذكر وجود نفس هذه الأسماء فى أعمال سابقة خارج الموسم وداخله، حيث ساهم هذا الوجود بشكل كبير فى لفت الأنظار إليها، ويستوى الحديث هنا عن الأسماء سواء أمام الكاميرا أو خلفها، ويأتى فى مقدمتها أحمد عبدالوهاب من مسلسل «الحشاشين»، وعصام عمر وأحمد داش من مسلسل «مسار إجبارى»، والمخرج عبدالعزيز النجار والمؤلف مهاب طارق من مسلسل «لحظه غضب»، هذا بالإضافة إلى عدد كبير من الأسماء من المواهب فى مرحلة الطفولة، منها سليم يوسف من مسلسل «بدون سابق إنذار» ولافينا نادر من «بابا جه»، وسيليا محمد سعد من «كامل العدد+1».ولو عددنا الأسماء لوضعنا قائمة طويلة قد لا تنتهى فى هذه المساحة، ووجود مثل هذه الأسماء ينبئ لحد كبير بشكل الموسم القادم الذى تتوافر له طاقات بشريه كبيرة من مختلف الأعمار وبخبرات متفاوته، نفس الشىء ينطبق على العناصر الفنية التى تضافرت جهود عدة معاً ليظهر مسلسل مثل «جودر» بهذا الشكل المبهر، بداية من الشركة «المتحدة» و«ميديا هب» و«أروما» ثم اختيار الفنانين وراء العناصر الفنية معتمدين على عنصر تصميم الإنتاج الذى نادراً ما يتم الالتفات إليه أو الاهتمام به فى صناعه الدراما التليفزيونية، وقدم أحمد فايز المشرف الفنى ومهندس الديكور جهداً ملحوظاً يصلح أن يعتمد كنموذج يحتذى به فى هذا المجال، حيث تضمن المسلسل تنوعاً فرضه السيناريو الخاص به، ما بين عالم شهريار وحارة سعد السعود، حيث يعيش جودر المصرى (ياسر جلال)، وعرين الشمعيين، ورحلات جودر ومنها مدينة النحاس التى شهدت حالتين مختلفتين.هذا الثراء البصرى الذى فرضه سيناريو أنور عبدالمغيث ووضع ملامحه المخرج إسلام خيرى، نجح فايز فى تنفيذه بنجاح ومعه فرق تضم عشرات الفنانين فى عناصر أخرى لتأتى النتيجة فى النهاية تحمل نجاحاً غير مسبوق، ومبشراً بظهور أعمال تليفزيونية وسينمائية بنفس المستوى، حتى فى مجال الموسيقى التصوير يقف خلفه اثنان من أكبر المؤلفين الموسيقيين فى مصر هما شادى مؤنس وعزيز الشافعى، ويمكن تطبيق كل ما سبق على «الحشاشين» الذى تضمنت مشاهده أيضاً خدعاً بصرية واستخداماً متفوقاً لعنصر التصوير وبالشكل الذى يرفع بالتأكيد من سقف التوقعات، سواء لما هو قادم فى مسلسلات خارج الموسم فى ربيع وصيف وخريف 2024 وشتاء 2025.هناك أيضاً العديد من المشاكل ومستوى متوسط وضعيف لعدد من الأعمال المنتجة لهذا الموسم، بعضها يتصدره أسماء لامعة، لكن من واقع ما سبق وسرعة تفادى الوقوع فى نفس الأخطاء بالتأكيد سيتم تداركها، مع التركيز على النتائج الإيجابية التى خرج بها الموسم، وهو ما يفتح مجالاً أكبر للتطور فى مجال صناعة الدراما التليفزيونية، وسينعكس بالتأكيد على صناعة السينما، واللذين على الرغم من اختلاف شكل وطبيعة كل منهما كوسائط، لكن يشتركان فى الفنانين القائمين على صناعتهما، وانتعاشة صناعة السينما التى لمسنا آثارها فى موسم نهاية العام 2023 خير دليل على ذلك. مصطفى الكيلانىيكتب: رامز عباسيكتب: السيناريو.. سبب نجاح موسم رمضان 2024 استراحة الدراما انتظاراً لسباق جديدالسيناريو الجيد هو سبب نجاح أى عمل فنى، وطوال سنوات تم تجاهل الكتابة لصالح النجم، وتصدَّر المشهد «ترزى» الحكايات لصالح الممثل الأول، والسبب فى ذلك هو المنظومة الإنتاجية التى رفعت سقف طلبات النجم لمرحلة جعلت بعضهم يظن نفسه فوق العمل الفنى وفوق الجمهور، وأصبحت مهمة الكاتب فقط أن يكتب المشاهد حسب طلب النجم، وليس حسب ما تحتاجه الفكرة والصراع الدرامى، فيخرج العمل مختلقاً وضائعاً.ولا شك أن موسم رمضان 2024 شهد نجاحاً كبيراً للعديد من المسلسلات، ولا يمكن إنكار دور السيناريو القوى فى تحقيق هذا النجاح. فالقصة الجيدة هى حجر الأساس الذى يُبنى عليه العمل الفنى بأكمله، وهى التى تجذب المشاهدين وتجعلهم يتابعون بشغف.ابتعدت العديد من المسلسلات فى رمضان هذا العام عن القصص التقليدية والمكررة، وقدّمت أفكاراً جديدة ومبتكرة، سواء فى نوعية القصة أو طريقة السرد. وتنوّعت الأعمال بين الدراما الاجتماعية، والكوميديا، والتشويق، الفانتازيا التاريخية، مما أتاح للمشاهدين اختيار ما يناسب أذواقهم.وتوافر لتلك السيناريوهات فضيلتان هما الواقعية والعمق، فقد تناولت بعض المسلسلات قضايا اجتماعية مهمة، مما جعلها قريبة من المشاهدين ومؤثرة فيهم، مثل «بدون سابق إنذار»، وكذلك «كامل العدد +1»، وحتى الكوميديا فى «بابا جه».وتميزت العديد من المسلسلات بشخصيات قوية ومركبة، لها أبعاد نفسية واجتماعية واضحة. تفاعل المشاهدون مع هذه الشخصيات وتأثروا بقصصها، مثل حسن الصباح فى «الحشاشين»، والزوجة التى تبحث عن حقها فى حياة صحية فى الكوميديا السوداء «لحضة غضب»، ، وحتى فى مسلسلات الأطفال مثل «يحيى وكنوز» و«نورة». ونجحت العديد من المسلسلات فى بناء حبكة مشوقة تجذب المشاهدين وتحافظ على اهتمامهم حتى الحلقة الأخيرة، وهو ما حدث فى «بدون سابق إنذار» و«جودر»، ومعظم مسلسلات هذا الموسم.ولعب الحوار دوراً مهماً فى نجاح العديد من المسلسلات، حيث تميَّز بالواقعية والبساطة والقوة فى بعض الأحيان، وأوضح مثال على ذلك مسلسل الفانتازيا التاريخية «جودر».التميز الواضح فى مسلسلات رمضان 2024 كان سببه الرئيسى هو وجود عمل كامل متكامل على الورق قبل البدء فى المراحل التالية إنتاجياً، فعادت دورة العمل إلى طبيعتها، والتى تبدأ من وجود السيناريو، فالمخرج، فباقى فريق العمل فالأبطال، وبذلك مرت دورة الإنتاج فى مسارها الطبيعى.واستطاع الممثل أن يعرف تطور الشخصية بالكامل، ولم يحدث مثلما كان سابقاً من أن يعرف الممثل مشاهده قبل التصوير مباشرة، وهو لا يعرف المشهد السابق أو المشهد التالى لشخصيته، وتنطفئ ملامح الشخصية الدرامية بسبب أن الممثل لم يكن عالماً بتطوراتها داخل الحدث الدرامى، وفى نفس الوقت يستطيع فريق العمل، من أزياء وديكور وتصوير، العمل فى بيئة صحية، فهم لديهم كافة تفاصيل المشاهد والشخصيات، وكذلك أماكن التصوير، فيسهل عليهم وقتها الإبداع وإظهار قدراتهم ومواهبهم.ولم يكن ذلك وليد اللحظة، فهو تم بعد قراءة جيدة لما حدث سابقاً، وتطوير للنجاحات ومراجعة للأخطاء، فكانت النتيجة موسماً هو الأفضل من وجهة نظرى منذ سنوات، وذلك بسبب استخدام منصة واتش إت كحجر أساس لخلق مساحة لإظهار أفكار متطورة، فكان «ريفو» و«بالطو» و«حالة خاصة»، وحالة اختبار لشباب جدد، قدّموا أفكاراً طازجة أثبتت نجاحها رغم وجودها على منصة ناشئة، ورغم ضعف الدعاية لها، ومعظمها كانت دعاية لاحقة للنجاح، وأظن أن ذلك كان مقصوداً لاختبار السوق ومراجعة جيدة للقائمين على الإنتاج لفهم تطورات السوق ورغبات المشاهدين.واعتماد الإنتاج فى مصر على فتح مساحة لكُتاب جدد، مع آخرين أصحاب تجارب، ومع إعطائهم مساحة من الحرية فى الكتابة وطرح أشكال جديدة للسرد، قدّم للموسم مسلسلات أظنها ستأخذ حقها فى المشاهدة أكثر بعد رمضان مثل «لحظة غضب» و«بدون سابق إنذار»، والتى نافست وسط أعمال ونجوم يمتلكون حصة قوية من المشاهدة، مثل «الحشاشين» و«جودر»، لدرجة أن الطفل سليم يوسف يصبح «تريند» منافساً لنجم مثل كريم عبدالعزيز يقدم أحد أهم أدواره، وينافس كذلك أعمالاً ونجوماً قدّموا أفضل نسخة منهم هذا العام، لهو نجاح يجب الإشادة به، والبحث عن أسبابه.فى النهاية، ثراء هذا الموسم ونجاح كل هؤلاء النجوم فى تقديم أدوار ستظل فى الذاكرة لسنوات طوال سببه الأول هو اختيار سيناريوهات قوية، قدّمت أفكاراً فتحت الباب لنقاش وبحث من مشاهدين عاديين وليس من مختصين فقط، والأهم أن دورة الإنتاج عادت لطبيعتها، وهو السبيل الوحيد للنجاح. وأخيراً تأتى لحظات الفرح، فبعد ٣٠ يوماً من العرض الدرامى على مختلف الشاشات الفضائية والمجهود والمنافسة الشريفة التى أبداها أغلب صناع الدراما فى موسم ٢٠٢٤ يحتفل صناع الأعمال الدرامية بعيد الفطر المبارك تاركين للمشاهد فرصة ثانية لتقييم الأعمال من خلال المشاهدة مرة أخرى فى الإعادات التى سوف تبث عبر الشاشات.وقد حرصت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية على تقديم وجبة متوازنة من الأعمال القوية، التى وفرت لها من عناصر النجاح ما قد يصل بها لعقل وقلب المشاهد العربى، فهل ذلك يعد كافياً؟برأيى الإجابة عن هذا السؤال تذهب للتأكيد على أن السباق يجب أن يكون له موسم آخر مدروس بعناية، يحمل للجمهور متعته الكاملة، فى مقابل موسم شهر رمضان، حيث إنه كشهر مشهور بتعبد المسلمين، وهم كشريحة أكبر من المشاهدين تنغمس مع ضيق الوقت فى صلاة التراويح والذهاب إلى العمل والقيام بزيارات للأهل والعائلة والعزومات، مما يضرب التركيز على رسائل الدراما فى مقتل ويجعل عقلية المتفرج عدائية وذات رد فعل سلبى لأنه لم يتابع قصة العمل الفنى منذ يومه الأول لانشغاله بروحانيات الشهر المبارك.وأحلم منذ سنوات بموسمين للأعمال الدرامية يتكامل فيهما الإبداع وإتاحة الفرص للوجوه الجديدة الموهوبة لتظهر مع ورق قوى يجعل الرسائل تتدفق بلا انقطاع، ولا يفوتنى هنا توجيه كل التحية لصناع عشرات الأعمال الدرامية التى أسرت قلب المشاهد منها على سبيل المثال لا الحصر: «الحشاشين، عتبات البهجة، بابا جه، صلة رحم، العتاولة، لأعلى نسبة مشاهدة، مسار إجبارى، حق عرب، كوبرا»، والحصان الرابح هذا الموسم بحب الجمهور «جودر».أتمنى أن يصل مقترحى بتعويد المشاهد العربى على موسم جديد يتيح لشركات الإنتاج فرصة إطلاق الأعمال الفنية المؤجلة لقيادات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لعلمى بالمجهود الذى تبذله «المتحدة» للارتقاء بما يجب وأن يقدم درامياً، كما أنه لا يفوتنى فى ختام الكتابة عن موسم رمضان أن أشير إلى عمل فنى «إنتاج ذاتى» قام به مجموعة من الشباب الحالمين بدخول الوسط الفنى عبر بوابة مناقشة قضايا الأشخاص ذوى الهمم وهو مسلسل «القضية ٤٠٤» يصل لـ١٥ حلقة قصيرة تناقش قضايا وأحلام الأشخاص ذوى الإعاقة من منظورهم وبمشاركة ٢٥ بطلاً منهم فى العمل، وهو ما لا أعتقد أنه قد يفوت «المتحدة» دعمهم ودعم رسالتهم لينتجوا جزأهم الثانى المتعطل لغياب الإنتاج.وأيضاً لا يفوتنى تقديم الشكر للأستاذ مصطفى عمار والأستاذة شيماء البردينى لتقديمهما، وعبر منصات جريدتنا «الوطن»، جرعة مكثفة من ترجمة ملخصات المسلسلات بلغة الإشارة كإهداء منهما لفئة الصم وضعاف السمع ودعماً لحقهمفى الاستمتاع بالأعمال الفنية كلها، وهى تجربة تجعلهما أول من قدمها ودعمها ويبقى أن تستمر طوال العام مع كل عمل جديد يتم إطلاقه لجماهير مصر والعرب المتعطشين للفنون والثقافة والمعرفة والحب، فبكل الحب شكراً.