العلم لم يتقدّم إلا باحترام الرقم، وتبجيل الإحصائية، الرقم الصحيح مقدّس والإحصائية المنضبطة هى الطريق الوحيد إلى جنة التقدّم وفردوس الحضارة، البلد الذى يحترم ويوسوس فى إعلان أرقامه وإحصائياته عن السكان والاقتصاد والتعليم والصحة.. إلخ، يرسل رسالة غير مباشرة إلى مواطنيه بأننا على الطريق الصحيح، قبل ثورة العلم الحديث كان من المسموح للعالم بأن يقول سخن وبارد وثقيل وخفيف، لكن بعدها يجب أن يقول درجة حرارته كذا، أو لقد وصل إلى درجة الغليان ومقدارها 100 درجة، سواء فى أمريكا أو موزمبيق!!، أو وزنه كذا بالجرام.. سواء فى الإسكيمو أو فى الكونغو.. إلخ، المعادلة رقم والإحصائية رقم، ولغة المشاعر والأدب والبلاغة غالباً لا تحترم الرقم، ونحن ما زال لدينا كمصريين عداء وخصومة مع الرقم الواضح الصريح، لأنه يحتاج إلى جهد وتعب ومثابرة ونحن بعافية حبتين مع هذه المصطلحات الثقيلة على قلوبنا، هذه المقدمة هى مدخل لتفسير انزعاجى من الأرقام المرسلة التى لا يسندها ولا يدعمها إحصاء حقيقى منضبط ومرجعية علمية واضحة، مسئول ما أعطى الرئيس السيسى فى نيويورك ورقة بها رقم خمسة ملايين لاجئ فى مصر، لكى يُذكّره كدلالة على اهتمامنا باللاجئين، المكان هو أهم مؤسسة دولية فى العالم، والزمان 2016، حيث صراع قمم العلم والتكنولوجيا، الرقم فى العالم المتحضّر ليس مجرد لفظ له جرس ونغم وإيقاع، لكنه معلومة وعلم له دلالة وتبعات، أولاً ليست كثرة العدد هى التى تعطى طمأنينة وراحة للعالم عن هذا البلد أو ذاك، لكن المهم كيف تتعامل هذه الدولة مع هذا العدد من اللاجئين، مثلاً فى زمن «مبارك» عندما تم ضرب اللاجئين السودانيين فى شارع جامعة الدول، لم يسألنا العالم كم لاجئاً سودانياً عندكم؟ بل سأل كم جريحاً سودانياً فى موقعة جامعة الدول؟!! ولم يشفع لنا قولنا إن لدينا ثلاثة ملايين لاجئ سودانى!!، كان لا بد أن يراجع رقم خمسة ملايين لاجئ، وينضبط هذا العدد أكثر، لأن العالم لم يعد يعترف بالأرقام البركة والإحصائيات «الكلشينكان» التى هى شبه الإحصائيات، وليست إحصائيات حقيقية، كان لا بد أن نلتزم ونحن نعد ونحصى بتعريف اللاجئ ونذكر مرجعيتنا فى التعريف، وهو له تعريفات كثيرة، من ضمنها أنه يوجد فى بلدنا «بسبب خوف له ما يبرره من التعرّض للاضطهاد بسبب عرقه أو دينه أو جنسيته أو انتمائه إلى فئة اجتماعية معينة أو آرائه السياسية، خارج بلد جنسيته، ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يستظل بحماية ذلك البلد، أو كل شخص لا يملك جنسية، ويوجد خارج بلد إقامته المعتادة السابق بنتيجة مثل تلك الأحداث ولا يستطيع، أو لا يريد بسبب ذلك الخوف، أن يعود إلى ذلك البلد». لا بد أن نلتزم أمام الهيئات العالمية بالأرقام المسجلة، ونذكر ذلك فنقول على سبيل المثال «المسجل من اللاجئين 189 ألفاً، لكن هناك أعداداً أكثر من ذلك بكثير يتم حصرها»، العالم يحترم ويهتم فعلاً بمثل هذه النوعية من التصريحات، لكن الأرقام المرسلة الضخمة التى لا ترجمة لها على أرض الواقع أو فى أرشيف الأوراق الرسمية، فليس لها أى صدى عند عالم الحداثة والحضارة الجديدة، باختصار لم أجد رقم خمسة ملايين لاجئ فى أى وثيقة رسمية أو فى مفوضية اللاجئين، ولو عندنا خمسة ملايين لاجئ وغير قادرين على إحصاء ولو 2 مليون منهم، فنحن فى منتهى التقصير ومنتهى الكسل ومنتهى العشوائية، القضية ليست قضية رقم غير دقيق أو غير صحيح، لكنها قضية الجدية والانضباط وجهد البحث الذى لا بد أن يصل إلى درجة الوسوسة، يا مجتمع.. يا شعب.. يا بلد.. يا وطن.. احصوا تصحوا!!.