انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعى وعلى «اليوتيوب» فيديوهات لمشاهير العالم وهم يدلقون على رؤوسهم دلواً من مكعبات الثلج فى إطار حملة لدعم مرضى «A L S»، مرض التصلب الجانبى الضمورى، وهو مرض نادر يصيب عضلات الجسم بالوهن والضعف ويحول المريض إلى مشلول مقعد لا حول له ولا قوة. الفيديوهات لا حصر لها، وفكرتها مبتكرة، وفى نهايتها يتحدى بطل الفيديو شخصاً آخر يختاره قريباً من مجاله ويطلب منه أن يدلق المياه المثلجة على رأسه كما حدث من زوكربيرج، مؤسس الفيس بوك، عندما تحدى بيل جيتس. واجه تحدى الجردل المثلج أشهر نجوم العالم مثل أوبرا وينفرى وبيكهام ورونالدو وميسى وبريتنى سبيرز... إلخ. ورغم أن الفكرة مبتكرة وشهرة النجوم طاغية، فإن ما أعجبنى هو الفكرة التى تحث على التبرع الذى تجاوز حتى الآن 5 ملايين دولار فى أقل من شهر. الفكرة برغم مأساوية المرض، فيها بهجة، وتحس أنها منطلقة من بشر يحبون الحياة وأناس يعشقون معانى الفرحة والأمل والتجدد والنمو، لم يفكروا مثلنا فى الاستجداء بمغازلة مشاعر الشفقة والحزن والنكد باستحضار مريض مشلول أو على كرسى متحرك ليبكى ويلطم ويصرخ ويتسول، ثم يتحدث فى التليفون رجل أعمال ويعلن تبرعه لعلاجه ثم لا يدفع بعدها، ولكن المهم أنه ظهر تليفزيونياً أو يظهر وهو يسلم الظرف منتفخ الأوداج يشير للكاميرا بابتسامة من الأذن للأذن بعلامة النصر كما نفعل نحن عندما نُحضر مريضاً بالسرطان أو ضمور المخ ونجرسه على الفضائيات كعب داير لتنتفخ جيوب المذيعين وتزدهر سبوبتهم. نحن نعيش فى وهم أننا شعب المشاعر وأن الغرب المادى ليست له مشاعر. للأسف أرى العكس تماماً، نحن نعشق الشكليات والشو ونتعامل مع المرضى والمسنين والأطفال ببرود وقسوة وشراسة ولا مبالاة. إنهم أناس مبتكرون مبدعون فى شكل حملات تبرعهم خاصة للمرض، نحن نمارس العيشة وهم يمارسون الحياة. نحن نعشق الطقوس وهم يعشقون الضمير. نحن على سطح الأشياء وهم فى عمق الأشياء. نحن على الحافة وهم فى الجوهر. نحن نعيش نظرية «كأن كل حياتنا شبه الحياة» وهم يعيشون نظرية «طبق الأصل» وكل حياتهم هى نواة الحياة بجد بدون مونتاج أو خوف أو ماكياج. نحن نعيش الحياة من الخارج وهم يعيشونها من الداخل. نحن لا بد لكى نثير حمية وحماس وتعاطف مواطن أو رجل أعمال لا بد أن نصرخ ونبكى ونلطم ونذكّره بالثعبان الأقرع وبأنه ممكن يبقى زيهم ويتشل زيهم ويجيله السرطان ويقع شعره زيهم!! كل هذا بمنتهى الغلظة والفجاجة والابتزاز العاطفى، فإن تبرع أحد فهو للأسف يتبرع إما بدافع الخوف والإحساس بالذنب أو بدافع الاستعراض والأنانية، وهم يحولون الأمر إلى لعبة ومتعة حتى يتسرب للناس إحساس الأمل بدلاً من إقامة صنم للكآبة كما نفعل، نفسنا نبتسم مثلهم دون أن نقول «اللهم اجعله خير»، ودون أن نخاف من مؤامرات القدر على الضاحكين المبتسمين، نفسنا نتبرع باسم المتوفى فى الجمعية التى ترعى المرض الذى كان يعانى منه بدلاً من الصرف ببذخ على إعلانات الوفيات وسراداقات العزاء المصورة، نفسنا نكون المتفردين باختراع ابتكار مثل ابتكار الآيس بوكيت تشالنج أو جردل الثلج مثلما تفردنا باختراع وظيفة الندابة والمعددة وفيديوهات العزاء الحصرية.