مات أحمد مطر يوم أن مات العراق، لم يحتمل قلبه فراق الوطن ونهشه على أيدى البرابرة وهو شاعر الأقصوصة الساخر الذى تجاوزت قصة العراق طاقته الشعرية وتعدت أبياتها المياه الإقليمية لحدود إبداعه وتحولت قافيتها من نافذة سخرية إلى بلاعة مسخرة، انفجرت شرايين المخ حزناً وكمداً على وطن أهدى للدنيا باقة ورد الشعر من المتنبى إلى السياب فإذا به اليوم يهدى لها عصابة آكلى أكباد البشر، مات شاعر العراق الرائع الجميل منفيّاً كما عاش منفياً، لم تشيعه مداخلة فضائية أو حتى زاوية نعى فى جريدة أو على جدار، تم طرده من على جميع أرفف المكتبات العربية فاختار أن يسكن حجرات الإنترنت، الحجرات الوحيدة التى تحتمل صراحته وسخريته الموجعة، استطاع الشباب العربى إنشاء أكثر من موقع لأحمد مطر على الإنترنت كما أنشأوا من قبله لنجيب سرور و«أمّيّاته» المنفية، وناجى العلى وكاريكاتيره النازف، وكما لا يستطيع أحد أن يرتدى ثياب العرس والزفاف فى سرادق العزاء، فإن الشاعر العراقى أحمد مطر لم يستطع أن يكتب شعر الغزل فى وطن يحتضر، اختار وبإصرار مدهش أن يكتب شعر الهجاء السياسى الساخر ويلقيه كالقنبلة فى وجه من اغتالوا هذا الوطن، فصار شاعراً مطلوباً رأسه وقلمه، وصارت دواوينه منشورات تصادرها السلطة من الخليج إلى المحيط، وأصبحت صورته الفوتوغرافية دليل اتهام واسمه سبباً فى تكدير الأمن العام وهز أسس الاستقرار الاجتماعى المزعوم!!، إنه شاعر لن تراه على شاشة أى قناة أرضية أو فضائية، ولن يستضيفه أى معرض للكتاب ولن يفوز بجائزة سلطان العويس أو زكى اليمانى أو حتى جورج قرداحى!، وذلك لأنه شاعر خارج الطابور لم يرص قصائده الشعرية أحجاراً للمعسل على نارجيلة السلطة، ولم يفتتح سوبر ماركت يبيع فيه قوافيه للزبائن ولمن يدفع أكثر، ولم يعمل ترزياً يفصّل شعره على مقاس الحكام، ولكنه اختار أن يكون شاعراً انتحارياً يكتب شعراً نووياً شديد الانفجار وقصائد مفخخة تنفجر سخرية وحزناً فى وجه المرتزقة ذوى الجلود السميكة الذين باعوا أوطانهم فى سوق النخاسة. «أمس اتصلت بالأمل قلت له: هل ممكن أن يخرج العطر لنا من الفسيخ والبصل؟ قال: أجل قلت: وهل يمكن أن نشعلَ ناراً بالبلل؟ قال: بلى قلت: وهل من حنظل يمكن تقطير العسل؟ قال: نعم قلت: وهل يمكن وضع الأرض فى جيب زحل؟ قال: نعم.. بلى.. أجل فكل شىء محتمل قلت: إذن عربُنا سيشعرون بالخجل قال: تعالَ ابصق على وجهى إذا هذا حصل!».