كيف لا يفوز هؤلاء الألمان بكأس العالم؟ حتماً سيفوز هذا الفريق الجبار الذى ينتمى إلى شعب عبقرى ووطن عظيم ومناخ متفنن فى الإبداع، عاشق للنظام والجهد والعمل واحترام القانون، كنت أهمس بهذه الكلمات بينى وبين نفسى، بينما أشاهد نهائى كأس العالم، لم يكن يشغلنى كثيراً الترقيص والتنطيق والسبعات والتغزيل وتمرير الكرة من بين قدمى المنافس إلى آخر كل ما يستفز ويداعب ويدلك مشاعرنا كمصريين عاشقين لمثل هذه التفانين الكروية البهلوانية، كان يشغلنى كيف حول الألمان كرة القدم إلى علم ونظام وجهد ومثابرة ولياقة، طبعاً كل هذا إلى جانب الموهبة والفن اللذين لا غنى عنهما، لكن كان لفظ الماكينات الألمانية يطاردنى وهو غالباً ما يحمل استهجاناً، لأنه توصيف ينزع دسم الفن عن لعب الألمان وكنت أرى هذا ظلماً بيناً، ألمانيا لا بد أن تنتج هذا الفريق، ألمانيا احترام القانون، لا بد أن تفرز من يحترم هذا المستطيل الأخضر، ألمانيا عشق النظام لا بد أن تفرز من يقدس التنظيم والترتيب والتخطيط الجيد الحازم الحاسم، ألمانيا اللياقة والصحة كانت ولا بد أن تمنحنا فريقاً لا يعرف معنى كلمة تعب أو إجهاد، سألت نفسى سؤالاً سياسياً برغم أننى كنت قد قررت أن أمنح عقلى إجازة لمدة شوطين وفرحت عندما أضيف شوطين إضافيين لكى تزيد متعة الاسترخاء، قاتل الله السياسة تطاردك أينما كنت، سألت نفسى: هل الآن برغم كل هذه الضائقة الاقتصادية والظروف الأمنية المتدهورة التى تمر بها مصر، هل نحن فى نفس ظروف ألمانيا بعد هزيمة الحرب العالمية الثانية؟، بالطبع وبالتأكيد لا وألف لا، فوضعنا أفضل بكثير، السؤال التالى كيف خرجوا من كبوتهم، بل من مأساتهم وكارثتهم؟، كيف أصبحت ألمانيا قاطرة التقدم الأوروبى بهذا الشكل وبهذه الروعة؟، ألمانيا التى خرجت من حرب شردت 12 مليون ألمانى أضيف إليهم 8 ملايين أسير فى معتقلات الحلفاء واستعبادهم وتسخيرهم فى معسكرات عمل بالإضافة إلى سكك حديد مدمرة وطرق مخربة وتعويضات مليار دولار سنوياً لم تنته إلا فى 1971، سيرد البعض متهكمين وإحنا فين وألمانيا فين، شوف ألمانيا بقت ألمانيا بعد 50 سنة عايزنا نستنى خمسين سنة؟!، الرد لا لم تنتظر ألمانيا خمسين سنة بل كانت البذرة موجودة لذلك بدأت فوراً وعلى من يتشكك أن يقرأ حكاية كروية أيضاً عن ألمانيا ليعرف أن الإبداع والابتكار والعلم هو الذى أنقذها، إنها حكاية الجزمجى الألمانى آدى الذى أنقذ الألمان وجعلهم يفوزون بكأس العالم 1954 وهم ما زالوا يلعقون جراح الهزيمة، هذا الرجل الذى توسع فيما بعد وأنشأ شركة أديداس، تلقى هذا الإسكافى رسالة من مدرب ألمانيا هيبريجر يستنجد به بعد هزيمة ألمانيا من المجر الرهيبة بقيادة بوشكاش فى الأدوار الأولى بثمانية أهداف وقال له أنقذنا من تأثير المطر الذى جعل نصف الفريق يرقد بين مصاب ومكسور، اخترع آدى المسامير فى أسفل الحذاء لحفظ التوازن وأرسل 23 زوجاً من تلك الأحذية إلى سويسرا فوراً لتفوز ألمانيا بكأس العالم بعد 9 سنوات فقط من ذل الهزيمة. مبروك لألمانيا ولنتعلم من هذا الجزمجى الألمانى هذا الدرس.