انتقدت من قبل بعض الدعاة الإسلاميين عندما وصفوا تسونامى بأنها عقاب إلهى، وقلت إن العقاب الدنيوى بهذه الصورة الانتقامية يتنافى مع أبسط قواعد الفهم الدينى والرحمة الإلهية، وكعادتنا نحن المصريين فى البحث عن ألفاظ غير صادمة، قررنا أن نستبدل الإنذار الإلهى بالعقاب الإلهى!، ولكن الاستبدال هذه المرة لم يأت من داعية مسلم، بل جاء من مسيحى، ولكنه ليس أى مسيحى، إنه البابا شنوده نفسه فى عدد «الأهرام» 27 يونيو تحت عنوان «إنذارات من الله»!.

يقول البابا فى مقاله عن الإنذارات الإلهية «هناك إنذارات عامة يقدمها الله للبشرية عن طريق الأمراض المستعصية، مثل الإيدز الذى عجز الأطباء عن علاجه وصار إنذاراً للمنحرفين خلقياً، ومثل فيروس سى والفشل الكبدى وأمراض خاصة بالمخ»!!، ويضيف البابا إلى هذه الإنذارات المرضية وباء الكوليرا، الذى حدث سنة 1948 فى مصر وقاد المصريين إلى التوبة خوفاً من الوباء!!

مع احترامى الشديد لقداسة البابا ومكانته إلا أننى أختلف معه تماماً فى مفهوم الإنذارات الإلهية، فهذا الفهم يرسخ من معانى التربص والانتقام الإلهى ويتنافى مع العدل، الذى يعد معنى ومبنى أى دين أو عقيدة فى الدنيا، فكيف يسحق الله ملايين الأبرياء لمجرد أن يدق جرس إنذار، هل لابد أن تكون دقات هذا الجرس دماء وجثثاً وأشلاء؟!، هذا مفهوم فى منتهى الخطورة، لأنه يشيع الإحباط وبدلاً من أن يرسخ الدين فإنه يحرض على الفرار منه وكراهيته، فحين يصبح المتدين مجرد شخص خائف ومرعوب حتماً سيفقد الثقة والبوصلة والأمان.

الإيدز يا قداسة البابا لا يصيب المنحرفين فقط، فما ذنب طفل مسكين يولد لأم تعانى من الإيدز لكى ينذره الله؟، وما ذنب مريض غلبان ساقته الأقدار لينقل دم فى أحراش أفريقيا؟، وما ذنب زوجة مطيعة مخلصة نقل إليها زوجها العدوى؟، ولعلم قداستكم الإيدز الآن يتم التحكم فى أعراضه ومضاعفاته ويعيش مرضاه فى البلاد المتقدمة ربع قرن بعد العدوى، والسؤال لماذا يعيش هؤلاء المرضى فى أمريكا ويلقون حتفهم فى بتسوانا وزيمبابوى؟!،

هل الإنذارات الإلهية احتكار للفقراء وخاصة بالغلابة؟، نحن دائماً نقول إن ربنا رب غلابة، فلماذا ينقذ التقدم العلمى والطبى الأمريكان ويترك مساكين الأفارقة السود معمل تجارب للإنذارات الإلهية؟!

أما الكوليرا فقد حصدت من أرواح المصريين فى 1947 أكثر من عشرين ألف إنسان مصرى، كلهم غلابة وفلاحون، ومن المؤكد أن معظمهم كان يعرف ربنا حق المعرفة وكان يصلى له فى الغيط ويطلب الرحمة!

والسؤال لماذا اختفى الإنذار الإلهى الكوليراوى فى العالم كله وتوطن فى أفريقيا؟ إنه النظام الصحى المتكامل وتنقية المياه والاهتمام بالصرف الصحى، لم تختف الكوليرا بالدعاء والتوبة، بل اختفت بالعلم والأدوية والوقاية السليمة، أما الحديث عن فيروس سى والفشل الكبدى بهذه الطريقة القاسية التى تحوله إلى إنذار ووصمة عار فأترك الحديث فيها لأساتذتى فى أمراض الكبد، الذين يصرخون يومياً لتنبيه العالم إلى الوباء الذى يحصد أرواح شبابنا.

يا قداسة البابا الكوليرا والإيدز وفيروس سى أمراض بشرية وليست إنذارات إلهية، وسيعالجها البشر أيضاً بالعلم لا بالتوبة، لأن المريض ببساطة ضحية وليس مجرماً أو مذنباً يستحق كرباج الإنذار الإلهى.