«كمال الدين مسعود»، اسم انتظرت تترات نهاية البرنامج حتى أتذكره، كنت فى غاية الفضول أن أتذكر هذا الاسم بعد مشاهدة حلقة بالصدفة عن المصور السينمائى عبدالعزيز فهمى، كانت تعرضها القناة الثقافية ضمن ما تسميه «كنوز التراث». تذكرت مجموعة الحلقات البديعة الأخرى التى أخرجها وكتبها هذا الفنان العبقرى عن يوسف شاهين وشادى عبدالسلام وعلى إسماعيل.. أكاد أجزم أنه أجمل برنامج ثقافى تسجيلى قدمه التليفزيون على مدى تاريخه.

حرمنا التليفزيون على قنواته الرئيسية من هذا الإبداع، كما حرمنا من كمال مسعود نفسه، سألت عن هذا الرجل فلم يدلنى أحد على عنوانه، قال البعض إنه هجر التليفزيون، يأساً من الروتين، لأنه كاد ينتحر من قسوة الحرب ضده، وقال البعض الآخر إنه فضّل تجارة السيارات، وهجر ما يمت لفن الإخراج والسيناريو بأى صلة أفضل من أن يتاجر بضميره وفنه وإبداعه، حطم التليفزيون كل أحلامه فقرر أن ينفى نفسه بدلاً من أن يودع مستشفى الأمراض العقلية بأيدى أهل ماسبيرو الكرام.

مهما حكيت لك عن الجهد الذى قدمه هذا الرجل فلن أوفيه حقه، ففى حلقات عبدالعزيز فهمى على سبيل المثال علمنا كمال مسعود قراءة الصورة السينمائية من خلال حوارات سريعة مع يوسف شاهين وسعيد مرزوق ومرعى وعبدالعزيز فهمى نفسه، مع عرض لصورة الابن الضال وهو يعدو وخلفه الشمس الغاربة، أو افتتاحية فيلم «زوجتى والكلب» أو أنفاق السد العالى مع يوسف شاهين فى «الناس والنيل» أو توثيقه لمصر فى «فجر يوم جديد»، تصوير عبدالعزيز فهمى على ضوء شمعة حتى تنطق الصورة بأحاسيس أبطال فيلم «المستحيل» لحسين كمال، انتظاره بالأسابيع وعدم تنازله حتى يتحقق ضوء الشمس الذى فى خياله بالضبط، كيف حكى كمال مسعود بالصورة قبل الكلمة رحلة فن التصوير السينمائى فى وثيقة تاريخية إبداعية أهملها التليفزيون فى جريمة اضطهاد ووأد لكل ما هو حقيقى وصادق وتثقيفى حقيقى فى إبداع أبنائه المطرودين المطاردين.

لابد أن يعرض التليفزيون برامج مسعود التسجيلية عن الموسيقار على إسماعيل، وكيف صاغ موسيقى فرقة رضا المبهرة ووزع أغانى عبدالحليم بعبقرية وإحساس وذكاء، وعن يوسف شاهين وسر عبقريته السينمائية وتفرده ووصوله للعالمية..

وعلى ما أتذكر أن الناقد الراحل سامى السلامونى حاوره فى هذه الحلقات، وعن شادى عبدالسلام هذا المثقف الشامخ الذى مات وهو يتسول حقه من الدولة فى إخراج «إخناتون»، ورفض أن تدعمه إسرائيل حتى يخرج فيلمه إلى النور.. لابد من عرض هذه البرامج حتى يتذوق المشاهد طعم البرنامج التسجيلى والتحقيق الفنى التثقيفى الراقى الذى يجتهد بأناة وصبر دون سلق وسد خانة.

رسالة إلى مسؤولى التليفزيون: أعيدوا كمال مسعود وبرنامجه البديع بدلاً من هرم مفيدة شيحة واللعب مع كبار بسمة وهبة.