الحكيم هو أجمل وأصدق وأذكى وصف مصرى للطبيب الناجح، فهو كاشف للجسد وللنفس أيضاً، ومعالج لأوجاع الجسم والروح، هو الشخص الوحيد الذى تتعرى أمامه خارجياً وداخلياً أيضاً، ولذلك كنت أنتظر بفارغ الصبر شهادة الحكيم د. هشام عيسى ومذكراته مع عبدالحليم حافظ، فهو الطبيب الذى شاهد حليم فى أقصى لحظات الضعف، عندما كان ينزف نافورة الدم من فمه، عندما كان يستسلم للحقن والخراطيم وأجهزة التنفس، عندما كان ينام نهاراً ويستيقظ ليلاً خوفاً من غدر المرض ومداهمة النزيف وزحف الغيبوبة، وهو أيضاً الطبيب المثقف ابن أحلام الناصرية ورفيق حليم فى الحلم، كانت رغبته الجارفة الحارقة فى الحفاظ على حياة حليم، هى فى الحقيقة رغبة فى الحفاظ على حلم الثورة وطموح الوطن ورومانسية جيل، ظن أنه حقق المستحيل.

كتاب «حليم وأنا» ليس نميمة عن شخص مشهور أو فضفضة عن نجم محبوب، إنما هو قراءة ورصد زمن وحركة تاريخ، كتبه هشام عيسى بلغة أدبية راقية محبة لحليم الإنسان والفنان، وبنفس المتصالح مع الضعف البشرى والخطايا الإنسانية، كتب عن قصص حب عبدالحليم حافظ المعلنة والسرية، لم يقصد من هذه الحكايات الإثارة بقدر ما كان يكمل رسم أهم ملامح بورتريه هذا الفنان، الذى جذب بمغناطيسه الجبار وصوته الملائكى كل الأجيال حتى هذه اللحظة، دخل هشام عيسى بمنظاره زووم داخل تلافيف نفس حليم، وكأنه يحقن دوالى المرىء، التى هددت حياته واستنزفت روحه، حكى عن ذكائه وأيضاً عن غيرته، كتب كم كان حليم رومانسياً وكم كان عملياً أيضاً، كم كان رقيقاً فى رومانسيته وكم كان عنيفاً عاصفاً فى غضبه، حكى لنا حليم دون أقنعة.

قرأ هشام عيسى من خلال حليم سراديب صراع رجال الثورة ورجال مخابراتها، رصد لنا أسرار صراع الوسط الفنى أسفل جبل الجليد، كيف كانت أم كلثوم تدبر مقالب انتقامية لحليم، الذى ينتظر الوقت المناسب لردها، وكيف كانت علاقة فريد الأطرش بعبد الحليم مركبة ومعقدة لا تستقر على شاطئ، كيف أحب حليم سعاد حسنى وكيف تركته سعاد هاربة من وظيفة الممرضة، كيف سيطر حليم على عقل ووجدان الملك الحسن، عاهل المغرب، برغم العلاقة الشائكة بين الملك والنظام المصرى؟، كيف كان عبدالحليم يحاول مراوغة الزمن وخداع العمر القصير بمتعة السفر والتسوق والسهر وصحبة الأصدقاء، كيف أصر حليم على خطه الغنائى المتفرد بعناد مدهش وكأنه كان يقرأ مستقبله الفنى بعيون زرقاء اليمامة!!.

كتاب هشام عيسى رواية أدبية وملف تاريخى ومذكرات علم نفس واجتماع، مكتوب بلغة الموسيقى التى كان يعشقها قبل لقاء حليم، وصار متيماً بها أكثر بعد علاقته الإنسانية والطبية التى تجاوزت مرحلة المريض والطبيب، وتجاوزت أيضاً المطرب والسميع، ولكنها صارت علاقة أبناء جيل حلم كثيراً واستيقظ على كابوس.