ميكانيكا تصليح البنى آدمين!! "الكبد ده كويس وكبير قوى..الطحال ده محسوس جداً ..اللغط اللى فى القلب ده هايل مش حتسمع زيه فى حياتك..حالة الإستسقا دى رائعه فيها كل الsigns""....كل هذه الكلمات وغيرها كنت أسمعها داخل حجرات الدرس وعلى ألسنة الأساتذه والمدرسين فى كلية الطب ،وكنت أتسابق كزملائى كى أضع يدى على كبد المريض ،وأخترق الصفوف لكى تصل سماعتى لمكانها الصحيح على صدر المريض وأسمع بوضوح ، يتزاحم حشد الطلبه التتار حول المريض الممدد على سرير الكشف عارٍ من كل شئ إلا من خوفه وقلقه ، يفحصون أو بالأصح يفعصون الحاله ،فهذا الغلبان هو عندنا مجرد حاله ...رقم ...باسبور للمرور من محنة الشفوى ،نظل نفعص ونفعص ونلغوص دون أن نخطئ ولو مره وننظر إلى ملامح وجهه أو نتساءل عن إسمه أو نبتسم له هذا إن رأيناه اصلاً أو حتى نحترم رهبته من الموقف وفزعه من المستقبل ، فلا فرق بينه وبين جثة المشرحه اللهم إلا أن الأول يغرق فى رائحة عرقه أما الجثة فغارقة فى الفورمالين ،ينفض الجميع من حول ال case أو الحاله ،يحاول هو أن يستوقفنا بسؤاله الخجول جداً والمشروع جداً ،حالتى إيه يادكاتره ؟،حأخف ولالأ ؟،لانرد وكأنه يتحدث إلى خواء ،ونواصل خطواتنا الهستيريه السريعه لنلحق بميعاد السكشن التالى ،يكتنفه البرد ..برد الوحده والحيره والتجاهل وغموض المصير ،يعود إلى عنبره لاعناً الحظ الذى أفقر جيبه فجرجره الأبناء المكدودون المحبطون إلى هنا حيث سيعيش كفأر تجارب لطموحات ودكتوراهات وعقد وإحباطات أصحاب البلاطى البيضاء،نكبر نحن الأطباء ونختزل الطب إلى مجرد مصطلحات لاتينيه وخط منعكش ويافطه نيون وأكل عيش وأقساط عربيه ودفاتر ضريبيه وعيون مدربه على إلتقاط عروض مكاتب التوظيف الخليجيه ولف على المستوصفات وتحويل المريض إلى زبون ، من الممكن أن نكون قد إكتسبنا حقاً مهارة التشخيص لكننا فى الغالب إفتقدنا الأهم وهو إنسانية المشاركه ، فالمريض أصبح بالنسبة إلينا بفضل التعليم الطبى أعضاء منفصله ..قلب وفشه وطحال وكبد ومعده ....الخ، وأصبحنا نحن الوكلاء الوحيدين لقطع غياره ، فنغير أنسجته كما نغير الفلتر والزيت ،ونضبط السكر وكأننا نضبط الزوايا ، ونجرى التحاليل والأشعات على طريقة العمره الكامله!!، فقدنا فى تعليمنا الطبى النظره التكامليه للمرض وللإنسان ،أخذتنا التفاصيل والجزئيات ، إستغرقتنا عماهو أهم وأشمل ،عن الإنسان فى عمومه ،عن تفاعل هذه الجزئيات فيما بينها وعن تفاعل هذا المريض مع مجتمعه ،وأتساءل هل حقاً تعلمنا الطب أم تعلمنا ميكانيكا تصليح البنى آدمين،؟!، هل المستشفيات التى نعمل فيها مراكز للعلاج الإنسانى أم هى مجرد مراكز صيانة وتوكيلات قطع غيار آدمية ؟!، وهل لكى أكتسب لقب طبيب لابد أن أتخلى عن لقب الحكيم الحبيب وأبنى جداراً من زجاج سميك بينى وبين المريض ، وأستعير امامه قناع الجبس البارد؟!، حتى هذه اللحظة مازلت لاأمتلك شجاعة الإجابة.