بدايات الفن دائما هى مفتاح الجاذبية، إن لم تأخذك افتتاحية الرواية فقد فقدت الشغف، إن لم تسيطر عليك النغمات الأولى ولحن البداية للسيمفونية فقد تاهت أذناك ولن تستكمل باهتمام، كذلك الدراما إذا لم تأخذ بتلابيبك الحلقة الأولى ومشاهد البداية فعادة لن تُكمل الفُرجة، ولن تستكمل المتابعة، خاصة فى ظل التنافس الرمضانى، وهكذا فعل مسلسل «مسار إجبارى» بامتياز.هناك طالب فى كلية الحقوق يعطى دروساً خصوصية لزملائه ولا يريد التخرج من الكلية حتى يلحق بالمنحة لفرنسا ويتجاوز سن الجيش، والآخر شاب يكافح من أجل لقمة العيش ويعمل على عربية تقدم الطعام لطلاب الجامعة، كل منهما بعيد عن الآخر تماماً فى سمات الشخصية والوضع الأسرى، فجأة تتم المقابلة فى المستشفى، كل منهما يزور أباه الراقد فى العناية بعد إنقاذه من جلطة فى القلب، يتضح أنه نفس الأب، وأنهما شقيقان، وأن الأب أخفى سر الزيجتين، تتوالى سلسلة الأسرار التى قلبت حياة الأخوين جحيماً، الأب شارك فى تزييف أدلة جريمة وأدخل إنساناً ظلماً للسجن وأوصله لحبل المشنقة زوراً وبهتاناً، لكن ضميره أمام الابنين استيقظ عندما أحس بدنوّ الأجل، وأفشى السر، انتقم منه من استأجروه، قتلوه فى المستشفى، بدأت رحلة البحث عن القاتل تربط الابنين ببعضهما البعض، فى رابطة مدهشة وغريبة على الدراما المصرية.ويتميز المسلسل بهذه الرؤية فى الانسجام بين الأسرتين رغم أن كل أم هى ضرة، لكن جمعتهما الضغوط والمآسى التى تتعرض لها كل أسرة من جراء فعل الأب، هناك أيضاً تناقض المشاعر بين الأخوين، الأول كان كارهاً لأبيه ودائماً فى اختلاف وشجار، أما الثانى فهو على العكس، على انسجام مع أبيه ويحمل له حباً خاصاً، يظل شبح الأب جاثماً على البيت، لكن المسلسل يخرج من البيت إلى عالم المحاماة، وكيف أن قانون الغاب أحياناً يجعل البعض يبيع ضميره ويلوى عنق الحقائق.هناك لمسات رومانسية وعلاقات حب فى ظل هذا الصراع الدامى تنمو بذورها على مهل، هذه الدانتيلا الدرامية تجعل متابعة المسلسل تجمع ما بين لهاث البوليسى وعطر الرومانسى. اختيار البطلين الشابين اختيار موفق جداً، وهناك كيمياء جميلة ما بين عصام عمر وأحمد داش. خرج عصام عمر من عباءة البالطو التى ظن البعض أنه سيُسجن فيها بعد النجاح الباهر للمسلسل.وكان أحمد داش، بلهجته وملامحه، خير من يعبّر عن الحى الشعبى بروحه وتفاصيله، أما الثنائى الثانى الذى خلق نفس الكيمياء فقد كان ما بين الفنانة صابرين والفنانة بسمة الضرتين الجميلتين، أتمنى أن تكون نهاية المسلسل كبدايته، قوية جاذبة مؤثرة، فالكثير من المسلسلات يتوه أحياناً فى وضع النهايات، لكن حتى هذه اللحظة المسلسل متماسك ويحتل مركزاً وترتيباً متقدماً بين كل ما يُعرض على الشاشة.