كنت أشاهد أمس برنامجاً قديماً ضيفه عميد الأدب العربى طه حسين، كان اسم البرنامج «نجمك المفضل»!! كان النجم المفضل فى تلك الأيام الخوالى واللى يشيل برنامج من الألف للياء بلغة أهل الشغلانة هو مثقف بحجم وقامة طه حسين، يعنى إيه؟يعنى موضوع السهرة موضوع ثقافى ومكلكع كمان، لم يقل المشاهد يوووه سيكلموننا عن الثقافة والأدب العربى واليونانى والفلسفة والترجمة وتلك القائمة من القضايا الغريبة العجيبة بتاعة عالم المثقفين دول، لا لم يقل المشاهد هذا، ولا امتعض ولا حاجة، وكان «ماسبيرو» يعرف أن تلك الحلقة ستحصل على نجاح هائل وتكتسح، مَن كان معد هذا البرنامج؟إنه أنيس منصور!!! أنيس منصور هذا المثقف الموسوعى، صاحب تلك الكاريزما وخفة الدم والأسلوب الجذاب واللغة الرشيقة، هو المُعد، نعم هو المُعد، مَن هى المذيعة؟ إنها ليلى رستم أسطورة التقديم التليفزيونى، المثقفة الجميلة الجذابة التى تعلمت فى أمريكا واكتسبت ثقة فى نفسها جعلتها تحاور عظماء هذا الزمن، هل ستحاوره «ليلى» منفردة؟ لا.. لقد أتى أنيس منصور والذى يعرف طه حسين أنه «عقّادى الهوى» ومغرم بالعقاد حتى الثمالة، أحضر له قامات ثقافية لتسأله، يعتبر كل منهم وزارة ثقافة متحركة، نجيب محفوظ، محمود أمين العالم، عبدالرحمن الشرقاوى، أمين يوسف غراب، ثروت أباظة، يوسف السباعى، عبدالرحمن بدوى، كامل زهيرى …إلخ.ما كل هذا الجمال والإبداع يا ربى؟ كل هؤلاء يضمهم صالون واحد وحلقة برنامج واحد، تعوّدنا فى الإعداد التليفزيونى على البخل والتقتير فى الضيوف، وإننا ما نفتحهاش على البحرى، وإن الضيف المهم شىء صعب عض عليه بالنواجذ.لكن هذا الكرم الحاتمى وحوالى عشرة ضيوف كل منهم يعمل قناة وسلسلة حلقات، فهذا يثبت أن بئر الإبداع الثقافى المصرى لا تنضب ولن تنضب، أما عن الموضوعات فحدث ولا حرج، يكفى أن تعرف، يا عزيزى، أن قضية السِّيَر الشخصية ومنظور «العقاد» فى تناولها فى العبقريات كان محوراً من محاور الحلقة وقد شن طه حسين هجوماً على هذه الطريقة التمجيدية فى التناول، وصُدم الحاضرون، وأولهم مُعد الحلقة، حيث أحرجه طه حسين وسأله مباشرة: هل أعجبتك العبقريات؟ وأبدى طه حسين إعجابه بمحمود أمين العالم وكتاباته، وتحدث عن الرواية وفن المسرح الشعرى والأدب الإغريقى والفرنسى، وطاف بنا هو وضيوف صالونه فى عوالم الفن والأدب ومنحنا وجبة ثقافية لا تخرج إلا من مطبخ مصر المحروسة.