الكاتب الراحل العظيم فتحى غانم الذى سنحتفل بمئويته فى العام المقبل بإذن الله، عرفه معظمنا كروائى كبير وبارع، ويكفيه روايات «الرجل الذى فقد ظله» والتى كانت على مستوى الشكل فتحاً جديداً فى عالم الرواية العربية، ورواية «زينب والعرش» التى رصدت صحافة الستينات كما لم ترصدها رواية من قبل، و«الأفيال» التى كانت نبوءة بصعود تيار الإسلام السياسى، لكن فتحى غانم، الكاتب السياسى، والذى كانت مقالاته فى «روز اليوسف» هو ورفيق رحلته صلاح حافظ من الأساسيات بالنسبة لجيلنا، هذا الجانب مغفل فى تأريخ مسيرة هذا الكاتب المهم والذى كان يكتب بروح لاعب الشطرنج الحاذق الماهر حيث كان واحداً من حريفة الشطرنج المشهورين على مقاهى المحروسة.بالمصادفة عثرت فى مكتبتى علـى كتاب له جمع فيه بعض مقالاته وصدر عن كتاب «أخبار اليوم» بعنوان: «أزمة الإسلام مع السياسة»، ويحتوى على مقالات بديعة والمدهش أنه يتحدث وكأنه مكتوب الآن، كانت لديه حاسة زرقاء اليمامة فى استشراف المستقبل، من أهم الرؤى التى طرحها فتحى غانم فى كتابه عن كيفية تجديد الفكر أو الخطاب الدينى عند المسلمين، كان البحث عن علمانية الإسلام، الجزء الذى استطاعت مصر فى عصر التنوير أن تحافظ عليه وتمارسه بلا طنطنة أو استعراض أو صراخ، يقول «غانم»: «الذى أنقذ مصر من الصراعات الدينية ليس المصادفة ولكنه جهد عبقرى قام به مصريون متحضرون على مستوى رفيع من الثقافة، سألوا منذ آلاف السنين الأسئلة المهمة، التى يسعى إلى معرفة الإجابة عنها كل إنسان يحترم نفسه ويفكر فى لحظات حياته، كلحظات مثمرة منتجة ولا يفكر فى حياته كموظف لا يكسب رضاء رؤسائه بغير النفاق»، ويؤكد «غانم» قائلاً: «إن العلمانية ليست ضد الدين، والعلمانى ليس ضد الدين، ولذلك أقول بصراحة إن الذين يورّطون الرأى العام فى بلادنا فى مناقشة العلمانية باعتبار أنها أمر ضد الدين يطلقون أحكاماً متسرعة»، ويضيف: «الذين يريدون أن يحدث اشتباك عدائى بين الدنيا والآخرة ويرفضون العلمانية، يعملون بلا وعى على حرمان إضافة حقيقية ولها أهميتها وخطورتها فى العقيدة الدينية جاء بها الإسلام، وهى العلمانية».