سعدت جداً باحتفاء موقع جوجل بعيد ميلاد الكاتب والروائى الجميل الرائع إحسان عبدالقدوس، فهو قد ظُلم كروائى، برغم أن مبيعات رواياته كانت الأفضل، وبرغم أنه كان يرأس تحرير ومجالس إدارات أهم الصحف والمجلات فى مصر طوال رحلته الصحفية، فقد ولد منذ البداية كرئيس تحرير وليس كمرؤوس، ليس لأنه ابن «روز اليوسف» فقط ولكن لأن موهبته كانت تفرض نفسها، وانفتاحه على المواهب الصحفية الشابة بدون واسطة كان الباب الذى دلف منه نجوم وأسماء صارت فيما بعد هى التى تسيطر على الصحافة واكتسبت شهرة منذ تتلمذت على يدى هذا الكاتب المدهش، السر فى أن روايات إحسان لم تأخذ حظها النقدى وعوملت بخفة من المهتمين بالأدب ومن الأكاديميين فى الجامعات، أن اليسار الذى كان هو الممسك بدفة النقد فى الخمسينات والستينات، اعتبر المجتمع الذى يكتب عنه «إحسان»، مجتمعاً مخملياً بورجوازياً متعفناً لا يصلح للتجسيد فى تلك المرحلة الثورية، لا يوجد عامل متمرد أو فلاح ثائر فى قصصه، لذلك طردوه من جنة الرواية، وهو واحد من أفضل من شرّحوا الجسد الاجتماعى المصرى، وحلل نفسية المرأة، ونفذ إلى ما تحت الجلد فى العلاقات العاطفية، وبرغم ذلك لم تشفع له موهبته ولا أسلوبه ولا جماهيريته.و«إحسان» قد تفوق على الجميع فى تهافت السينما على قصصه ورواياته وهذه شهادة له لا عليه بأنه يمس المشاهد العادى ويجذبه، وهذه ليست تهمة ولا خطيئة، أما كتابته الصحفية ومقالاته فما زالت تحتاج إلى مزيد من الدراسة والتحليل، كمدرسة صحفية متفردة ومستقلة، حتى فى أيامه الأخيرة اخترع شكلاً صحفياً للتحليل السياسى تحت مقالاته التى كان عنوانها «على مقهى فى الشارع السياسى»، وكانت بالفعل من ناحية الشكل والمضمون فى منتهى التميز، وبرغم أنه كان أكثر أصدقاء «عبدالناصر» قرباً منه قبل الثورة، فإن «هيكل» هو الذى فاز بثقته فى الوقت الذى أبعد فيه «إحسان» عن الدائرة اللصيقة بـ«ناصر»، «إحسان» يحتاج إلى مجلدات ومجلدات للحديث عنه، تجربته فى روز اليوسف وحدها ملحمة أسطورية فى كيفية صناعة مجلة تستطيع هز أركان مصر بمقال أو كاريكاتير، شكراً «جوجل» قاموس هذا العصر العنكبوتى، وشكراً لعطايا ومِنح الرب الذى جعلنا نعاصر مثل هؤلاء العمالقة ومنهم إحسان عبدالقدوس.