سحر الفن ومغناطيس الإبداع جعل الكثير من الفنانين يترك رفاهية الأسرة ويتمرد على راحة الطريق السهل والسكة الآمنة والوظيفة المضمونة، وهناك حكايات وقصص تشير إلى سيطرة تلك النداهة الفنية على الإنسان صاحب الموهبة، المثال الأول الشهير، الذى حفر للفنانين من بعده طريق التمرد الفنى، لأنه كان نموذجاً متفرداً لديه الثراء، المستقبل مضمون، لكنه بالرغم من ذلك قفز إلى المجهول الغامض، بحر الفن أو بحر يوسف الذى سمى على اسمه، يوسف وهبى ابن عبدالله باشا وهبى، مفتش رى الفيوم، الذى توجد هناك ترعة باسمه حولت الأراضى الصحراوية إلى خصب ونماء وآلاف الأفدنة، الطريق مفروش بالورود فى دنيا الهندسة، لكنه اختار الفن والغربة، وتعلم رياضة المصارعة، وكان بالفعل مصارعاً رياضياً وفنياً أيضاً، عارك الحياة وأرسى دعائم المسرح العربى وصار عميده بالرغم من رفض الأب أن يكون ابنه «مشخصاتى» لا تؤخذ بشهادته أمام المحاكم!! من ملك الميلودراما إلى ملك الكوميديا فؤاد المهندس ابن زكى المهندس المربى الفاضل الذى أرسل إلى إنجلترا فى بعثة لدراسة التربية وعاد وتدرج فى المناصب حتى أصبح عميداً لدار العلوم ونائب مجمع اللغة العربية، تلميذ أحمد لطفى السيد وصاحب الدراسات التربوية والفلسفية التى أثرت فى جيل النهضة المصرية، يتمرد الابن «فؤاد» على الطريق الممهد السهل وعلاقات أبيه المتشعبة والقوية وعلى صرامة عميد الدراعمة ويقرر أن يصبح عميد الكوميديا، التى كان يعتبرها البعض قمة الهلس، أرسى فؤاد المهندس دعائم الكوميديا الشيك الراقية، واحتفظ بصرامة الأب فى قواعد المسرح وقدسية الالتزام على خشبته، وهناك الموسيقار الجميل والممثل الفنان عزت أبوعوف، الذى تمرد على سلطة الأب حارس الموسيقى العربية، والذى أنشأ فرقة الموسيقى العربية، الضابط صديق الضباط الأحرار، الذى له أيادٍ بيضاء على مجلس الفنون والآداب، تمكنت نداهة الفن من ابنه «عزت»، الذى كان قد اقترب من أن يكون طبيباً للنساء والولادة، ويا للهول اختار العزف على آلة غربية لا تمت للموسيقى الشرقية بصلة وهى آلة الأورج، وبدأ يلحن أنماطاً موسيقية غربية ويشترك فى فرق شبابية تغنى «غربى» فقط، ثم كون هو فرقته الخاصة الـ«فور إم»، ضد كل قواعد الصرامة والانضباط التى كان يحكم بها أحمد شفيق أبوعوف البيت والأسرة، أما قصة تمرد الراقصة فريدة فهمى فكانت العكس، كانت قصة تمرد الأب المتفتح د. حسن فهمى، أستاذ الهندسة، الذى ترك لفرقة رضا الفيلا ليعيثوا فيها فساداً ويرقصوا على حريتهم، وتحول ما أطلق عليه المجتمع فساداً إلى أعظم فرقة وأهم سفير لمصر فى العالم، ساند الأب الجميل المستنير ابنته فراشة الرقص الشعبى رغم كل الهجوم والسخرية والرفض الاجتماعى، كان حسن فهمى استثناء فى مجتمع متحفظ واجهه بشجاعة، وكان زرقاء اليمامة الذى سبق زمانه ورأى النبوءة الحضارية.