بكل ثقة وجلافة وغلظة حس، انتشرت صورة الفنانة ميرفت أمين، على وسائل التواصل الاجتماعي وهي حزينة، في عزاء المخرج الراحل علي عبدالخالق، وبدأ التنمر والكلام عن أثر السن وتجاعيد الكبر والملامح التي تغيرت.. إلى آخر هذه السماجات، التي يتميز بها «دواعش» السوشيال ميديا.وبالطبع، يستغلون هذه السخافات في جعلك تكره الحياة والحب والبهجة، لأنك لو أحببت الحياة، فستموت على الفور «الدعشنة» وتنتحر الأخونة والسلفنة، فتلك كلها ثقافات موت، لا تملك من وسائل الإقناع أي منطق، فليس أمامها إلا التخويف بالمرض، وبث الرعب، والخوف بالشيخوخة والموت.وفضلاً عن أن ميرفت أمين ما زالت «زي القمر»، جميلة وجذابة وفتاة أحلام بكل رقيها وشياكتها وسموها، فالسن والعمر ليس عاراً أو خطيئة، والمجتمع الذي لا يحترم كبار السن مجتمع مريض.أتعجب من هؤلاء الضباع، عندما يسخرون من سيدة كبيرة ترقص في ميدان في أوروبا، ويعلقون قائلين بمنتهى الغلاسة احترمى سنك! أو جدة تنزل البحر أو حمام السباحة بقولهم: «إنتي فيكي حيل ما تتهدي وتقعدي في مكانك».. إلخ، قسوة وانعدام إنسانية وغلظة حس تثير القرف والغثيان، ليست المشكلة صورة ميرفت أمين، لكن المشكلة ثقافة أفراد صاروا يتغلغلون في نخاع المجتمع وروحه كالسوس.لماذا هذه الأرتيكاريا ممن يحبون الحياة؟!لماذا اعتبار تجاعيد السن سوء خاتمة ونذير عذاب؟هل أتقى الأتقياء من الأنبياء ورجال الدين لم تزحف عليهم التجاعيد؟يا سادة، التجاعيد بصمات خبرة وحكمة زمن ووسام تجربة ووشم انتصار على غوائل وفخاخ الحياة، فلا تتعاملوا معها على أنها عقوبات إلهية ولطمات سماوية، نفس هؤلاء الضباع هم من يشتمون ويشمتون في موت المفكرين العلمانيين والفنانين الراحلين والإعلاميين المختلفين مع أفكارهم، ويعتبرون موتهم أيضاً سوء خاتمة ونذير عذاب!!أما طريقة الموت، فهم يتفننون في إرسال الرسائل من خلالها، فلو مات المفكر في حادث سيارة مثلاً، يرقصون فرحاً قائلين: «شفتم وجالكم كلامنا.. أهو مات في حادث سيارة!»، حتى من يموت على سرير المرض، يقولون عنه: «شفتم ربنا عذبه إزاي وأصابه بسقم ليس له علاج!!».والمدهش أنهم يحفظون تاريخ الخلافة الإسلامية جيداً، ويعرفون كيف قُتل عثمان ذو النورين، رضي الله عنه، وعبدالله بن الزبير، والحسين، وكثير من الصحابة!!ويعرفون أن من أكثر الكلمات في كتب تاريخ تلك الفترة، فلان التقي الورع حُز رأسه، أو علان المؤمن الصالح قُطعت رقبته، وسُلمت إلى الوالي أو الخليفة!!السؤال: هل هذا من سوء الخاتمة أيضاً يا أعضاء لجان الكآبة الإلكترونية؟!تتذكرون يوم توفيت الكاتبة المناضلة العظيمة نوال السعداوي، كيف كتبت واحتفلت تلك اللجان؟لقد فسروا موتها على أنه انتقام، وتناسوا أنها ماتت وقد تجاوزت التسعين، وكانت حتى آخر سنوات حياتها، تحكي لي عن عشقها لممارسة السباحة، وبهجتها بأشعة الشمس وهي تدفئها، وفرحتها برذاذ المياه وهو يداعبها، السؤال الساذج البرىء الذي أطرحه: هل هؤلاء «الدواعش» لا يشيخون ولا يموتون؟!