د. فؤاد عبدالمنعم رياض، أستاذ القانون الدولى الشهير، تعدت شهرته وتجاوزت إسهاماته حدود الوطن إلى حيث المحافل الدولية، ويكفى أن يعرف القارئ أنه جلس على منصة محكمة مجرمى حرب صربيا فكان نعم القاضى ونعم السفير، ولأننى لم أتشرف بمعرفته شخصياً فقد كنت أتصور أنه رجل قانون فقط، ذو ثقافة قانونية رفيعة، غارق فى أحكامه وقضاياه الدولية، ولكنى عندما قرأت كتابه «هموم إنسان مصرى» وجدتنى أمام مثقف موسوعى مهموم بقضايا وطنه، متحمس للدفاع عن الغلابة والمقهورين،

فعلى سبيل المثال هو صاحب فضل على كل أم مصرية أرادت احتضان أبنائها المحرومين من الجنسية المصرية لمجرد أنها تزوجت من أجنبى، لم يجلس فى برج عاجى إنما تبنى القضية وكأنها قضية شخصية حتى نجح فى رفع الظلم عن الأم المقهورة. الكتاب يتناول موضوعات مختلفة،

ولكن ما استرعى انتباهى هو رصد رجل القانون الدولى أمراض مصر بفطنة القاضى وفطرة ابن البلد المغموس فى مشاكلها، جذبنى تشبيهه للأمراض المصرية المزمنة بالشروخ، مما جعلنى أتخيلها مثل شروخ فى زجاج سيارة تقل أبناء هذا الوطن، هذه الشروخ تعوق الرؤية، ولكن السيارة تتحرك بفعل بعض الخبرة وبعض الحدس وبعض التكيف وبعض الفهلوة، لكن الشروخ من الممكن وفى أى لحظة أن تتحول إلى سرطان يفتت هذا الزجاج إلى ذرات رملية تشل الحركة وتسجن الركاب وتخلق كوارث ومصائب!

الشرخ الأول الذى يرصده د. فؤاد رياض هو انشطار المصريين إلى شريحتين، الأولى تحت خط الفقر تفتقر إلى الحياة الآدمية، والثانية مستفزة ذات ثراء فاحش تصرف ببذخ ودون وعى، والكارثة أن شريحة الطبقة الوسطى التى قامت عليها نهضة مصر تتآكل!

الشرخ الثانى هو التفرقة بين أبناء الوطن على أساس الدين، هذا الوطن الذى عاش متجانساً متحداً على مر العصور، والشرخ الثالث الخطير هو انقسام المجتمع إلى فئتين، الأولى تحاول اللحاق بركب الحضارة، والثانية ترفض هذه الحضارة وتخشاها وتحتمى بماض تسعى لفرضه دون إعمال لعقل أو منطق.

أدت كل هذه الشروخ إلى تنافر شديد داخل المجتمع وغياب إحساس المواطنة والسعى لانتماء بديل على أساس دينى أو طبقى أو قبلى، وأضيف إلى عدم الانتماء رفض شرائح المجتمع لبعضها البعض مما لا يسمح بالتعايش المشترك، والحل فى مشاركة المجتمع المدنى، وإرساء مبدأ عدم التمييز بين أفراد الأمة وحظر كل أشكال التفرقة على أساس الدين أو الجنس كما تقضى المادة 40 من الدستور، وإعادة تقييم التعليم على أساس العقل لا النقل، وتوظيف الإعلام ليقى الناس من السموم التى تلوث العقول ويحميها من الخرافة والتعتيم. لابد أن نعى هذا الخطر الداهم وتلك الشروخ السرطانية، هذه روشتة شاب فى الثمانين إلى أبناء وطنه.