شكراً وزيرة الثقافة د. إيناس عبدالدايم، شكراً د. هيثم الحاج، رئيس هيئة الكتاب، على اختيار الرائع أستاذ الأجيال يحيى حقى شخصية معرض الكتاب لهذه الدورة، بالصدفة عندما قرأت خبر الاختيار كنت أشاهد قناة «ماسبيرو زمان» وحواراً مع يحيى حقى، وعندما يتحدث يحيى حقى فلا بد أن تنصت، ليس فقط لمضمون الكلام، ولكن أيضاً لجرس اللغة وإيقاع الكلمات وانضباط مخارج الألفاظ، كان حواراً معه أجرته المذيعة أمانى ناشد، شاهدته بالصدفة، تجمدت أصابعى على الريموت، وظللت مشدوداً إلى عذوبة حوار هذا الرجل الرقيق البسيط، الذى برغم حجم جسده الضعيف، بدا لى عملاقاً ومارداً خرج من بركان حاملاً شعلة النار المقدسة، نار المعرفة.امتد الحوار حتى وصل إلى كلامه عن الأديب نجيب محفوظ، الذى قاله تطوعاً وليس رداً على سؤال عنه أو عن رواياته، فجأة وجدته يذكر تلك الجملة العارضة عن «نجيب»، وفجأة وجدتنى أصفق وحدى وأقف احتراماً لهذا الرجل العظيم، قال «حقى» للمذيعة: «نجيب محفوظ مفخرة من مفاخر مصر، وهو يساوى كبار كتاب العالم وليس مصر فقط، وأنا سعيد بأننى أعيش جيل نجيب محفوظ، وعصر نجيب محفوظ».ما هذه الروعة؟ وما تلك العبقرية؟ وما هذا التواضع؟ كيف تضافر الإبداع الذى دائماً ما يربطونه بالنرجسية مع كل هذا التصالح مع النفس، وكل هذه الفرحة وهذا الاحتفاء بالموهبة؟ توقع يحيى حقى نوبل لنجيب محفوظ، وكانت نبوءة كشّاف جواهر وغواص لآلئ، دروس يحيى حقى التى نتعلمها من هذا الحوار وأيضاً من حياته ومسيرته الإبداعية كثيرة، ليس التواضع أو التصالح فقط، فقد فعلها مع صلاح جاهين فى دراسة ضخمة عن عبقرية الرباعيات التى لم تُستقبل وقتها بالاحتفاء الذى تستحقه وتعامل معها البعض على أنها شخبطات فضفضة جاهينية لا ترقى لمستوى القصائد الطويلة.من دروس يحيى حقى الاهتمام بالاقتصاد والاختزال فى اللغة وحذف الزوائد التى تثقل كاهل الكاتب، وعبقريته أيضاً فى الجمع العجيب ما بين ابن البلد والخواجة فى نسيج واحد متضافر بشكل طبيعى ومدهش، ثقافة فرنسية رفيعة حتى النخاع، وثقافة عربية رصينة وامتلاك متمكن لناصية اللغة كأنها تسبح مع كرات الدم، نبيل فرنسى بالردنجوت والبابيون، وابن بلد بالجلابية والقفطان.لم يحبس نفسه فى إطار القصة فقط، ولكنه كان الفنان الشامل الذى يتذوق كل الفنون وبعمق، تقرأ كتاباته عن الموسيقى، فتحس بأنه مايسترو ضل طريقه إلى الأدب، وكذلك الفنون الأخرى من مسرح وباليه وفن تشكيلى.. إلخ.درس مهم آخر وهو عدم افتعال الإبداع والرهان على إنصاف التاريخ، عندما لم يجد شيئاً يكتبه، وضع القلم وكف عن الكتابة، فالكتابة عنده ليست لمجرد الوجود وأكل العيش، بل هى رسالة لا بد أن تؤخذ بجدية لا باستخفاف، كان ينشر فى جريدة التعاون محدودة التوزيع، برغم أن أشهر الجرائد كانت تتسابق على أن يخصها بمقالاته، لكنه فضل أن يكتب فى هذه الجريدة وراهن على جودة المكتوب وليس شهرة النافذة الصحفية، وها هو التاريخ ينصفه ويجعل أحد تلاميذه، وهو الناقد الكبير فؤاد دوارة، يكرس وقته وجهده لتجميع مقالاته وأعماله، ليظل يحيى حقى حياً وحقيقياً.الشكر مرة أخرى لكل القائمين على المعرض أن جعلونا نتنفس عطر هذا الرجل الجميل الراقى.