حالة فخر ونشوة سكنت قلوب وعقول المصريين وهم يتابعون حفل افتتاح طريق الكباش بالأقصر الذى حضره الرئيس وحرمه، هذا الطريق الذى يمتد على مسافة 2.7 كيلومتر بمحاذاة نهر النيل، بدءاً من معبد الأقصر وصولاً إلى مجمّع معبد الكرنك، والذى شهد قديماً احتفالات المصريين القدماء بأحد أهم أعيادهم الدينية (عيد الأوبت)، حالة استعادة هوية مصرية، حالة تمسُّك بالجذور وارتقاء بالإنسانية، هذه الحالة خلقت حالة هستيريا مضادة لدى تيار الإسلام السياسى التكفيرى الجهادى، هذا التيار الذى شن هجوماً كاسحاً على الاحتفالية، لم يفهم البعض سر ذلك الهجوم، لأن هذا البعض ما زال يعتقد أن هذا التيار ينتمى لهذا الوطن، وهذا كذب وتلك خرافات، هذا التيار أراد انتزاع جينات هويتنا وتغييرها تماماً، وكانت الخطة على وشك الاكتمال والتحقق لولا ثورة يونيو وانتفاضة المصريين، خطة كانت تركز على تحويل المصريين روحاً وعقلاً إلى مجرد عبيد للخلافة، وخدم لتطلعاتهم الأممية الإقصائية الكارهة للآخر والقامعة للمرأة والناشرة لثقافة الموت، ودائماً التاريخ هو الذى يمنحنا الدرس والإجابة، ففى مثل هذا الشهر، وتحديداً فى ١٧ نوفمبر ١٩٩٧، تمت أكبر مجزرة إرهابية فى تاريخ السياحة المصرية، فى الأقصر وفى معبد حتشبسوت تم قتل وذبح ٥٨ سائحاً أكثر من نصفهم سويسريون والباقى من اليابان وبريطانيا وجنسيات أخرى، وكان من بينهم طفلة بريطانية تبلغ من العمر خمس سنوات!!وللمقارنة بين أقصر الإخوان وأقصر الآن وحتى لا ننسى، سنتذكر كيف تعامل الإخوان مع القتلة الذين شاركوا فى تلك المذبحة، عيّن الرئيس الإخوانى محمد مرسى المهندس عادل الخياط، عضو الجماعة الإسلامية الذى شارك فى المذبحة، محافظاً للأقصر!!! تخيلوا أكبر مدينة سياحية فى العالم، محافظها فى زمن تلك العصابة شارك فى ذبح ٥٨ سائحاً!! إنها الكوميديا السوداء، لا بد أن نعالج ذاكرة السمك التى تسكننا وتجعلنا ضحايا لتزيبف الوعى أحياناً، ونتذكر تفاصيل تلك الجرائم حتى لا يضحك علينا أحد من سماسرة التصالح والمراجعات... إلخ ويصدّر لنا نفايات بضاعة الإخوان والتكفيريين على أنها بضاعة «براند»، قبل هذه المجزرة كان مخططاً لعملية إرهابية أخرى، كان قد صدر من مصطفى حمزة، مسئول الجناح العسكرى للجماعة أمراً بمهمة أخرى، وأشارت المعلومات إلى تعلق تلك العملية بأوبرا عايدة التى انعقدت فى مدينة الأقصر واختطاف بعض السياح ومقايضتهم ببعض المعتقلين والسجناء، ولكن استحال تنفيذ العملية نظراً للاستحكامات الأمنية المشددة، فبادروا لتنفيذ العملية البديلة فى معبد حتشبسوت، وفى حوالى الساعة 12 صباح يوم 17 نوفمبر 1997 هاجم ستة رجال مسلحين بأسلحة نارية وسكاكين، حيث كانو متنكرين فى زى رجال أمن، مجموعة من السياح كانوا فى معبد حتشبسوت بالدير البحرى، وقتلوا 58 سائحاً فى خلال 45 دقيقة، ثم حاول المهاجمون الاستيلاء على أوتوبيس لكنهم لم يتمكنوا من ذلك، وتم العثور عليهم بعد ذلك مقتولين داخل إحدى المغارات، وكان التقرير الرسمى يدّعى أنهم يئسوا من المقاومة وقرر بعضهم الانتحار.لا بد من إنعاش الذاكرة المصرية من حين لآخر حتى لا يتم خداعنا مرة أخرى بيد كارهى الحضارة ومزيفى التاريخ، وتسلم الأيادى التى صنعت تلك الاحتفالية المبهجة الرائعة.