فارقت الطالبة نيرمين بدوى الحياة بشكل مفاجئ بعد انتهاء الامتحان الشفهى فى مادة الباطنة، بكلية طب جامعة الزقازيق، واجتاحت صورها موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، بعد انتشار نبأ رحيلها، وتداول نشطاء مواقع التواصل صورها مصحوبة بنعيها والدعاء لها بالرحمة والمغفرة، ومن مطالعة حساب الفقيدة، تبين أنها يتيمة الأم، وأن والدتها توفيت نتيجة مرض عضال أصابها وعانت منه آخر سنوات عمرها، وذكر أحد أصدقائها على الفيس بوك «أنها ماتت من ضغط الامتحانات اللى بيحصل على الطلبة خصوصاً الكليات العملية».انتهى الخبر الحزين المؤلم المكتوب على موقع «الوطن»، ولكن حكايات امتحانات الشفوى فى كلية الطب برغم كل ما يحدث من تقليص لدور مزاج وانحياز الأستاذ وسيكولوجيته التى من الممكن أن ترفع إلى سابع سما أو تخسف فى سابع أرض لم تنته، بالرغم من كل هذا ما زال امتحان الشفوى هو بعبع طلبة كلية الطب، وما زالت هناك المجاملات وأيضاً الانتقامات، للأسف هناك أساتذة سيكوباتيون، عددهم قليل حقاً، لكن الكثير من خريجى كلية الطب عانوا منهم المرار والعذاب، وللأسف هناك من يتخرج فى الكلية بشخصية مهزوزة أو مرض نفسى أو تطرف مدفون نتيجة خروج طاقة السيكوباتية من الأستاذ على الطالب والتلذذ بالسادية وهو يرى الطالب ينسحق أمامه، حكايات وحكايات سوداوية كثيرة لو طلبنا من الأطباء حكايتها عن جوانتنامو امتحانات الشفوى ستأخذ مجلدات بثقل الكرة الأرضية، منها حكاية حدثت أمام عينى فى واحد من امتحانات الشفوى لمادة الجراحة، وكانت درجات الشفوى على أيامنا مجزرة حقيقية، كان هناك ما يسمى حالة long case عليها مائة درجة أو خمسون لا أتذكر الآن، وحالات short درجاتها أقل، كانت قراءاتى واهتماماتى الفنية قد خففت عنى حدة احتقانات تلك الامتحانات، وكنت أذهب إليها وليس لدىّ الطموح الرهيب بأن أسحق زملائى وأنتصر عليهم جميعاً فى غزوة الشفوى المباركة، وأن أحارب حتى لا أنقص درجة، إلى آخر تلك الهستيريا التى خلقتها روح التنافس المرعبة فى تلك الكلية، أما نمط الطالب الذى ينهار لو نقص نصف درجة فقد كان منتشراً انتشار النار فى الهشيم، جاء النائب وقام برصنا فى طابور كالدجاج الذاهب إلى مقصلة المذبح، سألنا النائب عمن سيمتحننا فقال هما أستاذان، أستاذ الجراحة فلان، والأستاذ د. مفيد سعيد، وكان الدكتور مفيد سعيد بشوشاً طيباً يطبطب علينا ويمنح أقل طالب ٤٥ من خمسين، أما الأستاذ فلان فقد كانت درجة التفوق عنده خمسة من خمسين!! غير التهزيق والبهدلة وقلة القيمة، كنا جميعاً نرتدى البدل والكرافتات، بدأ العرق يتصبب وكأنك أدخلتنا فى الهويس ووضعتنا أمام توربينات السد العالى، كنا نسمع دقات قلوبنا وكأن الأفئدة ستقفز من الصدور، وتملك الطلبة إحساس من يطلق على جمجمته الرصاص من مسدس فى خزنته رصاصة يتيمة، ينتظر الموت منطلقاً من إحدى خاناته، يدخل طالب من الطابور اليمين للدكتور مفيد، ويخرج آخر من لجنة الأستاذ فلان، ليدخل من عليه الدور إليه يبسمل ويحوقل مرتعشاً وكأن دراكولا سينشب أنيابه فى عنقه، إلى أن أتى الدور على الطالب «الموس» فى السيكشن، والذى كان ينتظر مركزاً متقدماً فى الدفعة، نادى النائب عليه بهتاف عزرائيلى رخيم، كان حظه الأسود قد ألقى به فى مفرمة الأستاذ فلان المرعب، وحدث المشهد الذى لن أنساه طيلة حياتى، بنطلون زميلى «الموس» يبتل أمامنا ببطء وجسده يرتعد وكأنه وضع يده فى كشك الكهرباء، لقد تبول زميلنا على نفسه من وقع الصدمة، ومر شريط أحلامه على شاشة السواد ماسحاً كل أمنيات التعيين ومكانة الانضمام لهيئة التدريس، انهار الحلم ودفنت الأمنيات، ولا أعرف مصير هذا الزميل الآن ولكن من المؤكد أن جرحه النفسى لم يندمل بعد.