ممثلة شابة تشترط فى عقد المسلسل وتفرض بنداً فيه بأنه ممنوع لمسها، وتم فسخ خطوبتها بسبب مشهد تمكّن فيه زميلها من جسّ نبضها بصفته يجسد دور طبيب فى المسلسل، وقبلها ممثل يقول «ممنوع اللمس»، فهو لا يصافح النساء ويدعو جمهوره لترك مشاهدة مسلسله والاعتكاف فى رمضان، وكانت الفنانة شيرين رضا قد ردت على تلك التصرفات بنصيحة لهؤلاء بأن يتجهوا إلى الدراما الإذاعية، ولكنى سأصدم شيرين بأنهم سيصرخون وقتها بأن الدراما الإذاعية حرام لأن الصوت عورة! قضية دراما ممنوع اللمس هى قضية اضطراب بديهيات وخلل تعريفات وتشوش فهم فى زمن تقديس المظهريات وسماسرة الأديان ومغازلة الشارع بالمزايدات الدينية، الممثل فنان يعرف نوعية ما هو مقبل عليه قبل أن يدخله، يعرف أنها مهنة فنية يجسد فيها واقعاً يحوله بأدوات الفن على الشاشة أو خشبة المسرح بالخيال إلى سينما أو مسرح أو مسلسل... إلخ، يحوله بالصدق الفنى الذى هو مختلف عن النقل الفوتوكوبى الفوتوغرافى، والمسطرة التى تقيس الفن فى صالة السينما ليست هى المسطرة التى تقيس التدين فى دور العبادة، وطريقة ومعيار القياس المختلفة لا تدين هذا ولا ذاك، ولا تقلل من قيمة الدين على حساب الفن، ولكنه فقط اختلاف معايير، فلا تستطيع أن تزن بالمتر ولا أن تقيس بالجرام، هذا له أدواته وذاك له أدواته، هذه هى القصة، لقد حوكمت رواية «مدام بوفارى» وحوكم مؤلفها فلوبير بسبب اتهامها بإفساد الأخلاق ونشر الشهوانية، دافع سينار محامى فلوبير عن الرواية انطلاقاً من تلك النقطة، نقطة اختلاف المعايير، وقال فى مرافعته جملته الشهيرة عن الرواية بأنها «الدعوة إلى الفضيلة من خلال بشاعة الرذيلة»، وعاش فلوبير وخلد اسمه ودُفن اسم المحامى العام الذى اعتقل وحاكم وأدان الرواية التى وصفها لامارتين بأنها من أروع ما قرأ، وهذا هو الحكم الفنى أو المحاكمة الإبداعية الحقيقية التى ليس فيها عمل فنى حلال أو حرام لكن فيها عمل فنى جميل أو ردىء. منذ أن أطلقنا وصف السينما النظيفة وتبناه الجيل الجديد الخارج من رحم عصر «إسماعيلية رايح جاى» المتزامن مع سيطرة المزاج السلفى على عقل مصر، رفع شعار ممنوع اللمس فى الدراما، وبدأنا تقييم المشاهد ورؤيتها بعدسة فقهية لا سينمائية، وتحول البلاتوه إلى منبر خطابة، والمدهش أن الشاب الذى يعترض على مشهد اللمس الفنى هو نفسه الذى يعتز بمشاهد بيع الجوارى فى الأسواق كما يحكيها التراث!! لا يجد فى ذلك ازدواجية أو فصاماً، هل سيضطر المخرج لتصوير الممثلين من قفاهم غضاً للبصر؟! وهل سيرتدى كاست العمل قفازات حتى لا تنتقل كهرباء النشوة من أعصاب البطل إلى البطلة عند مصافحتها، هل سنضطر، مثلما فعلت بعض البلاد فى الماضى، أن نلغى أدوار الممثلات ونأتى بممثلين يرتدون ملابس نسائية لكى يصبح المسلسل حلالاً بلالاً؟! الكوميديا صارت نادرة وعزيزة فى هذه الأيام، لذلك أجد أننا فى الفن صرنا فى الثقب الأسود لكوميديا العبث.