نستكمل ملف نقل وزراعة الأعضاء مع د. شريف مختار، وبعد أن أوضح د. شريف لماذا هذا الجدل المحتدم فى مصر بالذات، يقول: الجوانب التى ذُكرت فى مقال الأمس -فى رأيى- أطالت الجدل فى هذا الموضوع، وآن الأوان لأخذ قرار يتصف بالدقة العلمية، آخذاً فى الاعتبار الخلفية التاريخية والعمق الدينى وأخلاقيات الطب كما تعلمناه، وتشمل احتمالات: 1- الصراع المادى «ظهور طبقة السماسرة من معدومى الضمائر». 2- (الطموح المهنى): فمما لا شك فيه أن الأضواء ستحيط بجراحى نقل الأعضاء، وبالذات زرع القلب، وسيتنافس الكثيرون على الدخول فى هذا المضمار، بينما المطلوب قصر القيام بالعملية على مجموعة منتقاة بمعايير دولية. 3- (الاعتبارات الاجتماعية): فمن المؤكد أن أعداد المصابين بفشل القلب وهبوطه الاحتقانى فى تزايد مستمر لأسباب عديدة، ومع إجراء عملية زرع القلب أو زرع القلب والرئتين، فلن تكون هناك طوابير مماثلة من مانحى الأعضاء، وسينتهى الأمر إلى إعطاء الأولويات التى لن تكون فى الأغلب فى صالح المستحقين طبياً قبل غيرهم من ذوى الحيثيات. 4- الاعتبارات الاقتصادية: فهل تستطيع الدولة التى تئن تحت وطأة متطلبات توفير السكن والمأكل والتعليم تمويل عمليات كبرى كزرع القلب، وهى تعجز عن تغطية ميزانية الغسيل الكلوى وجراحة الصمامات؟ ويصبح بذلك السؤال المطروح عن تعريف الموت ضرورياً، هذا السؤال عن تعريف الموت إذن لم يكن مطروحاً قبل التكنولوجيا الحديثة المتاحة فى أقسام الرعاية المركزة، ولتوضيح أهمية ذلك الآن دعنا نأخذ فى الاعتبار مريضاً توقف قلبه كلية ومن ثم أصيب بعدها بتوقف كامل لا رجعة فيه لوظائف المخ نتيجة القصور الحاد فى الدورة الدموية للمخ، وتم وضعه على جهاز التنفس، حيث إنه توقف عن التنفس تماماً كما توقف عن الاستجابة للمؤثرات واختفت منه كل ردود الفعل العصبية المنعكسة الصادرة عن جذع المخ، كما أظهرت الاختبارات التأكيدية غياب التروية فى شرايين الدماغ، هذا المريض يحمل كل علامات الحياة (فهو ما زال يتنفس وإن كان التنفس ميكانيكياً - والقلب ينبض، والجلد دافئ، والكليتان تقومان بإفراز البول)، ولكنه أيضاً يحمل علامات الموت المتعارف عليها (فلا يوجد تنفس أوتوماتيكى أو حركات عضلية تلقائية، كما لا توجد أى استجابة للمنبهات الخارجية ولا المؤثرات الفسيولوجية الداخلية)، هذه الحيرة فى تقرير ما إذا كان المريض حياً أم ميتاً تعود فى المقام الأول إلى التكنولوجيا الحديثة، حيث يمكن من خلال جهاز التنفس إبقاء المريض ظاهرياً على قيد الحياة - فى مقابل ما كان يحدث سابقاً حيث كانت علامات الموت تتتابع بسرعة فور توقف التنفس. يتحدث التعريف الدينى للموت عن لحظة مغادرة الروح لجسم الإنسان، وهو يتجاوز حدود علمنا الحالى وتختص به قدرة الله تعالى، حيث لا يمكن قياس أو تحديد ماهية الموت، وهذا التعريف يصف ما نعتقد أنه يحدث للميت فعلاً، وليس ما يعنيه الموت بالمعنى الطبى المعتاد. أما التعريف الإكلينيكى المقبول سلفاً للموت فيتحدث عن التوقف الكلى، الذى لا عودة فيه لوظائف القلب والتنفس، حيث إن تحلل الجسم يلى ذلك حتماً، وكان ذلك هو الوضع السائد منذ زمن طويل، أما فى عصرنا الحالى ومع التكنولوجيا الحديثة للتنفس والتروية، فإن توقف الوظائف التلقائية للتنفس والقلب لم يعد يعنى بالضرورة التوقف الدائم لوظائف الكائن ككل.