ظل رجال الدين فى مصر ومعهم بعض المتدروشين من الأطباء يثيرون قضية موت جذع المخ ليضعوا العصا فى عجلة القانون لمدة ربع قرن، يقولون ذلك وهم يرون فى عيد الأضحى قلب الخروف المذبوح ينبض ورأسه مفصول عن الجسد! ويصرون على أن هذا القلب النابض هو دليل حياة! وهو ما رفضه رجال دين مستنيرون، مثل عضو هيئة الإفتاء التابعة لوزارة الأوقاف الكويتية الدكتور عيسى زكى، الذى أوضح أن «مفهوم الموت قد تطوّرَ بين الأطباء والفقهاء عند بحث قضية الموت الدماغى، فتم التوصل إلى أنه إذا مات جذع الدماغ المسئول بدوره عن حركة القلب والرئة فقد أقر الفقهاء المعاصرون بأن هذه الحالة تعتبر وفاة شرعية، لأن هذا الجذع هو المسئول عن الحركة الإرادية للقلب والرئة، وإذا كان جذع الدماغ قد مات وبقى القلب والرئة فى التحرك عن طريق هذه الأجهزة المتصلة بها فهذه حركة الذبيح، وبالتالى الذبيحة ميتة لكنها قد تتحرك، وهذه الحركة لا تعتبر علامة حياة وإنما بقايا الأعصاب»، وتابع: «كلمة السر فى جذع الدماغ، وكانت هناك ندوة طويلة تبناها مركز العلوم الطبية بمستشفى الطب الإسلامى فى الكويت، وأخرى فى القاهرة وثالثة فى مجمع الفقه الإسلامى الدولى فى السعودية، وبعد نقاش طويل اتفق الفقهاء والأطباء على أن الفيصل هو جذع الدماغ، لأن الحركة التى تنتج بعد موت جذع المخ ليست حركة طبيعية وإنما حركة اصطناعية». وأشار إلى «صدور فتاوى عن مجمع الفقه الإسلامى الدولى فى جدة والندوة العالمية لقضايا الطفل المعاصرة، وكذلك صدرت فتوى عن هيئة الإفتاء فى وزارة الأوقاف»، وقد أصدر بعدها د. صلاح سند، أستاذ طب النساء والتوليد بطب القاهرة، وهو على ثقافة دينية عميقة كتاباً عن الوفاة الإكلينيكية وخروج الروح، فند فيه كل الحجج الواهية المراوغة التى طرحها بعض المتدروشين، وقام بالرد على أسئلة ظنوها هم مفحمة ومنها: السؤال الأول الذى يرد عليه د. صلاح هو: لماذا لا تنخفض درجة حرارة الجسم فى بعض حالات موت جذع المخ برغم أن مركز التحكم فى الحرارة يقع داخل المخ؟!! سؤال يبدو منطقياً ومفحماً، ولكن الكتاب يرد ببساطة بأن هناك وسائل أخرى معزولة عن المخ من الممكن أن يستعين بها الجسم لزيادة درجة الحرارة أو فقدها، مثل الغذاء حتى ولو عن طريق أنابيب ومحاليل، وأيضاً عن طريق زيادة إفراز بعض الهرمونات وبانقباض أو انبساط الأوعية الدموية. أما السؤال الطبى الثانى الذى طرحه معارضو القانون فهو: كيف يستمر إفراز هرمونات الغدة النخامية وهى تستمد غذاءها من الدورة الدموية للمخ؟ كان الرد هو أن هذه الغدة لا تعمل فى كل حالات موت المخ، أما البعض الذى يعمل فلكونه يستمد غذاءه من دورة دموية بديلة تقع خارج الغشاء الخارجى للمخ، وهى تتسع لتعوض غياب الدورة الدموية الأساسية. هناك سؤال يعتبره معارضو نقل الأعضاء وموت جذع المخ سؤالاً معجزاً، السؤال: لماذا يتم تخدير موتى المخ عند أخذ أعضاء منهم لنقلها لآخرين؟!! بحث المؤلف ونقب وخرج بإجابة مفحمة وشافية لغليل الباحثين عن الحقيقة فى هذا الموضوع الشائك، الإجابة هى أن التخدير شىء مختلف تماماً عن إفقاد الوعى، فمن ضمن مهام التخدير الأساسية إرخاء عضلات الجسم، وهو إجراء مطلوب فى حالة نقل الأعضاء لتخفيف توتر العضلات وتسهيل التعامل معها جراحياً، ومن المهم أيضاً إرخاء الأوعية الدموية، إذن الجراح لا يبحث عن إفقاد وعى من هو فاقد الوعى أصلاً، ولكنه يبحث عن جراحة أفضل فى وسط جراحى أنسب.