خرجت أصوات، وللأسف من داخل المؤسسة الدينية، بعد دعوتى لتفعيل قانون التبرع بالأعضاء، تقول وتكرر وتحكى فى المحكى نفس الأسطوانة المشروخة التى قيلت على لسان شيخ شهير فى الماضى، وعطّلت صدور القانون أكثر من ربع قرن، وهى أنك لا تستطيع أن توصى بأعضاء جسدك لأنها ليست ملكك، وأنه ليس من حقك التصرف فيها لأنها ملك لله! واختلط هذا الطرح باتهام من يتبنى الحملة ومن يعلن التبرع، بأنهم أناس باحثون عن الشهرة والتريند، وكأنه مطلع على النيات ومفتش فى الضمائر، نفس القسوة واللاإنسانية التى قيلت من قبل عندما قال رجل دين عمن يغسل الكلى «مايموت.. فيها إيه.. وليه تأخروا لقاءه بربه»، وبرغم أننى لا أحبذ عرض القضايا الطبية على رجال الدين وأفضّل عرض تلك القضايا من منطلق الطب الحديث القائم على الدليل، وأنه لا مكان لرجال الدين فى تلك القضايا، ولكنى أقول، حتى من نفس الأرضية الدينية لو سايرناهم، فكلام هؤلاء المعترضين وحججهم لا يصمد للمنطق وينهار عند أبسط نقاش، فالإنسان هو مالك أعضائه وله أن يتصرف فيها بما لا يضره ضرراً لا يحتمل إذ لا ضرر ولا ضرار، وأيضاً: إن كل شىء ملك لله «لِلهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِى الْأَرْضِ» البقرة 284 «وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ» المائدة 17، والمال كذلك مال الله ومع ذلك يقول الله تعالى «وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ» النور 33 «وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا ءَاتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ» آل عمران 180، فالمال فضل الله ورزقه ومع ذلك نزكى بالمال ونتبرع به، فلماذا لا نتبرع بجزء من الجسم؟ ألم يجز العلماء إباحة التبرع بالدم، والدم جزء من الجسم؟، كما أن المرأة تتبرع بلبنها، فقد ترضع امرأة طفلاً لامرأة أخرى وهذا اللبن جزء منها، إضافة إلى ذلك لا يوجد دليل على التحريم، فالأصل فى الأشياء الإباحة ما لم يرد من النصوص ما يمنع، ونحن مأمورون أن ندفع قدر الله بقدر الله كما قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: «إنما أفر من قدر الله إلى قدر الله»، وأين نحن من قوله تعالى «وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا» المائدة 32، وقوله تعالى: «يُرِيدُ الله بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ العُسْر»، وهل الزائدة الدودية التى تُزال بالجراحة ليست ملكاً لله؟! فلماذا يزيلها الجراح؟ وهل ينتظر مريض الزائدة الدودية، التى لو انفجرت سيحدث تسمم بريتونى ووفاة، ينتظر رأى دار الإفتاء حتى يستخدم الجراح المشرط؟! ولماذا نفس رجل الدين تنتفخ عروقه مدافعاً عن ختان البنات، أليس البظر عضواً فى المرأة، والعضو ملك لله أيضاً؟! والسؤال: هل شيخ الأزهر الأسبق محمد سيد طنطاوى لم يكن على علم بتلك المعلومة، ولم يعرف أن الجسد ملك لله؟ إنه شيخ الأزهر الذى سبق وأعلن قبل وفاته تبرعه بقرنية عينه بعد وفاته، قال إنه يجوز نقل الأعضاء الآدمية من إنسان توفى حديثاً إلى آخر حى، ما دام ذلك يتم بطريقة سليمة وعن طريق التبرع، معتبراً أن هذا التبرع هو نوع من الإيثار المحمود والصدقة الجارية. أتمنى أن يتنحى هؤلاء من قبيلة الكآبة والجهامة وناشرى ثقافة الموت عن التدخل فى شئون حياتنا، وكفانا تأخراً عن اللحاق بركب الحداثة والتقدم، الدين خُلق لسعادة البشر لا لتعاستهم.