اندهش الإعلامى أحمد موسى حين أخبرته فى حوارنا أمس الأول عن أن قانون نقل الأعضاء جاهز منذ أكثر من عشر سنوات وعليه موافقة برلمانية ولم يُفعل حتى هذه اللحظة! ظل يتساءل فين المشكلة؟ وأنا أتساءل معه فين المشكلة؟ ولماذا التأخير والتسويف؟ نحن فى الجمهورية الجديدة نقول وداعاً للأيدى المرتعشة للبعض الذين يخشون من لغط وهجوم التيار السلفى خوفاً من عرقلة ومنع تنفيذ القانون بحجة أنه مخالف للدين، ثلاثون عاماً من الجدل العقيم وليست صدفة أن أول مقال ينشر لى فى مجلة روزاليوسف كان عن نفس الموضوع! كارثة ومصيبة أن نعود إلى المربع رقم واحد مرة أخرى فى لعبة السلم الطبى والثعبان الرجعى، سلم طبى يريد أن يصعد ويرتقى بالمهنة ويواكب العصر ويحترم إنجازات العلم، وثعبان رجعى متخلف يجرنا إلى الأسفل ويجرنا إلى دوامات نقاشات تستنزف العقول وتقتل الحماس فنعود إلى نقطة الصفر. ظل القانون فى أدراج مجلس الشعب أكثر من ربع قرن، برغم أن زرع الكلى، على سبيل المثال، بدأ فى مصر فى منتصف السبعينات، على يد د. غنيم، وكنا الرواد فى المنطقة العربية والشرق الأوسط. القانون فى الدرج رغبة فى راحة النافوخ واتقاءً لشر الألسنة التى تكفر كل من يفكر، دخلنا فى متاهة تعريف الموت وانزلقنا إلى حفرة لا قاع لها، حينما أحلنا قضية طبية محسومة صار الجدل فيها من الفولكلور التاريخى، أدخلنا الشيوخ ومعهم بعض الأطباء المتأخونين السلفيين وشلة من الإعلاميين الذين لا يفقهون شيئاً فى العلم إلى مغارة الشر وكهف الغربان والبوم وبيت جحا، الذى ظللنا تائهين فى ممراته لمدة خمس وعشرين سنة، نلوك عبارات نرددها كالببغاوات، أسطوانة مشروخة تردد طقطوقة مملة من عينة موت جذع المخ ليس موتاً شرعياً، الموت الشرعى هو انخساف الصدغين وتوقف القلب وتدلى الخصيتين... إلخ، الموت الإكلينيكى فظ اخترعته عصابة الاتجار بالبشر... إلى آخر هذا الكلام الذى لا يصمد لأى مناقشة من طالب فى تالتة طب! تمكن منا هذا اللت والعجن المزمن حتى أصبح العالم كله ينقل الأعضاء من الميت إكلينيكياً إلى المريض الحى إلا نحن وأفغانستان! حتى السعودية التى فيها الكعبة ومهد الإسلام يتم فيها نقل الأعضاء من الموتى حديثاً ولديها قانون يبيح ذلك، وطبعاً الأردن حدِّث ولا حرج صارت رائدة وسبقتنا بمراحل، وأخيراً صدر القانون ولكنه موضوع فى الثلاجة، لا بد من التفعيل السريع قبل أن ندخل متاهة اللجاج اللزج واختراع العجلة. البداية كما ذكرت فى البرنامج، لا بد لوزارة الداخلية أن تضيف فى رخصة القيادة كبداية عاجلة خانة موافق أو رافض لنقل أعضائك بعد الوفاة. ثانياً لا بد لوزارة الصحة من إصدار أو تفعيل البروتوكول المنظم لعلامات الموت الدماغى، وليكن مقصوراً على المستشفيات الخاضعة للدولة والتى تحددها وزارة الصحة، بروتوكول ليس لغرض نقل الأعضاء فقط ولكن لحسم مسألة استنزاف أهل المرضى الذين يظلون بالشهور على أجهزة التنفس الصناعى تائهين هم والأطباء قبلهم الذين ليس لديهم البروتوكول ولا القانون! ثالثاً الإعلام لا بد أن يتوقف عن اللغط والبحث عن الإثارة وتنجيم الجهلاء، بحجة أنهم يدافعون عن الموت الشرعى. يا سادة.. الجراحون الذين يزرعون فص الكبد الجزئى هم أول الناس الذين يعرفون أنه إجراء ملىء بالمشكلات، وأنه أساساً كان لزرع الكبد للأطفال وأنهم فى الخارج يفضلون نقل الكبد من المتوفى إكلينيكياً. يا سادة.. جراحو القلب يصرخون: زرع القلب فى مصر معطل وميت إكلينيكياً ليس لضعف مهارات الجراحين ولكن لغياب التفعيل. يا سادة.. تجارة الكلى فى مصر جعلتنا على رأس خريطة النخاسة البشرية بسبب عدم تنفيذ القانون، زرع القرنية الذى ينقذ من العمى يعانى من طابور انتظار يائس وبائس، ارحموا المرضى الذين يدقون الأبواب بدون جدوى ودمهم فى رقاب من أفتى بالتحريم ومن ضحى بالمراجع العلمية وغلب عليها الكتب الصفراء، العلم هو الذى أنقذكم وسينقذكم، هو طوق النجاة الوحيد شئتم أم أبيتم!