قرصان أحدثا ثورة فى فلسفة وعالم الجنس، القرص الأول هو قرص منع الحمل الذى فصل الجنس عن الإنجاب، وميز اللقاء عن اللقاح، وفض الاشتباك بينهما، والقرص الثانى هو الفياجرا الذى قضى على أسطورة أن الضعف الجنسى قدر لا فكاك منه، وتطور حتمى فى سلم الحياة مثله مثل شيب الشعر، أو فقدان مرونة عدسة العين، وأزال وهم أن كل أسباب الضعف الجنسى نفسية فقط.

القرصان محاولة من العلم لإكمال دائرة المتعة الجنسية، وجعل سلوك التواصل الجنسى أكثر حميمية وأقل قلقاً، القرص الأول أنقذ الزوجة من فوبيا الحمل المتكرر مع كل لقاء جنسى، والقرص الثانى أنقذ الزوج من دائرة القلق الجهنمية المغلقة، التى تحوله من زوج مستمتع متواصل إلى مراقب وممتحن ومفتش وملاحظ أنانى للأداء الميكانيكى لا اللقاء الحميم.

أى اكتشاف طبى له جانبه العلمى البحت، وله جانب آخر اجتماعى من الممكن أن يصدم ويحدث ثورة وغضباً، وأقراص منع الحمل والفياجرا ليست استثناء من هذه الاكتشافات، اتهمت أقراص منع الحمل بأنها السبب فى الحرية الجنسية والانفلات الجنسى الذى اجتاح العالم، واتهمت الفياجرا أيضاً بأنها حولت الجنس لضغط روتينى على أزرار on and off وسريان حمى البحث عن وهم الفحولة الأسطورى!!، ومازال الجدل محتدماً، ومازال المنتقدون يتجاهلون أن الاكتشاف العلمى ليس مسؤولاً عن سوء استخدامه، وأنه لا حل للآثار الجانبية للاكتشافات العلمية إلا المزيد من الاكتشافات العلمية.

العالم الآن يحتفل بمرور نصف قرن على أول قرص لمنع الحمل الذى قال عنه عالم الأنثربولوجى آشلى مونتاجو: «إن اكتشافه فى نفس أهمية اكتشاف النار»، بعد رحلة مجهدة استنزفت من تاريخ البشرية آلاف السنين فى محاولات واجتهادات لمنع الحمل، بداية من الفراعنة الذين اخترعوا حاجزاً مهبلياً لقتل الحيوان المنوى من مواد حمضية مدهونة بالعسل أو الزيت، وليس انتهاء بكوندوم كازانوفا، وصل العلماء إلى الحل.

فى عام 1919 تمكن العالم النمساوى لودفيج هابرلانت من إثبات أن زرع مبايض أرنبة حامل فى حيوانات عقيمة يؤدى إلى تثبيط التبويض وبالتالى يمنع الحمل، فاعتبر هذا الاكتشاف أول إثبات على أن منع الحمل بواسطة الهرمونات ممكن، ويعود الفضل فى تنمية هذا الاكتشاف وتحويله إلى حبوب منع حمل إلى طبيب الغدد الأمريكى جريجورى بينكوس الذى تمكن بالتعاون مع جون روك من صنع أول حبوب مانعة للحمل انطلاقاً من هرمون البروجيسترون الصناعى، وتم اختبار هذه الحبوب على 250 امرأة من إحدى ضواحى بورتوريكو فى عام 1956،

وتبين فيما بعد أن الحبوب التى تحتوى على الاستروجين أكثر فعالية من المقتصرة على البروجيسترون وحده، حصلت حبوب منع الحمل على الضوء الأخضر من إدارة الدواء والغذاء الأمريكية فى عام 1960 لتسويقها، وهو التاريخ الذى يحتفل به العالم هذه الأيام، وهو تاريخ غيّر وجه التاريخ!.