وصلتنى رسالة من الصحفى أحمد عثمان، الذى يعيش فى لندن منذ أكثر من نصف القرن، وكان صديقاً للكثير من الوسط الفنى، يعرض فى تلك الرسالة لعلاقة الموسيقى بالجامع، والفن بالمسجد، وعلاقة مقرئى القرآن بالذات بالغناء، يقول فى رسالته: كنت أتعجب من كلام عبدالحليم حافظ عندما يذكر عبدالوهاب، فقد كان يتحدث عن الأساتذة -كامل الشناوى ومصطفى أمين وإحسان عبدالقدوس- ويصفهم بالبهوات، وعندما يتحدث عن عبدالوهاب يقول الأستاذ، وفهمت السبب بعد وفاة عبدالحليم عندما التقيت بالأستاذ عبدالوهاب. فعندما جئت من لندن فى زيارة إلى القاهرة فى صيف عام 1985، أردت أن ألتقى بالموسيقار محمد عبدالوهاب، لأتعرف منه على علاقة الموسيقى بالدين، وقامت الأستاذة آمال بكير -التى كانت تشرف على الصفحة الأخيرة بجريدة الأهرام- بتحديد موعد اللقاء فى شقته المطلة على النيل بالزمالك. بدأ عبدالوهاب بسؤالى عن صديقه حماى مدحت عاصم -أول مدير للإذاعة المصرية- الذى كان يسكن فى شارع محمد مظهر، خلف منزله، وبعد أن طلب لنا الشاى قلت لعبدالوهاب: خرج الفن فى كل الحضارات القديمة من المعبد، وفى عصر النهضة فى أوروبا بدأت الموسيقى وغناء الكورال فى الكنيسة، فماذا كانت التجربة الفنية عند المسلمين؟ قال عبدالوهاب، كلامك صحيح، كل الفنون ارتبطت بالعبادات، وعندنا فى مصر بالذات والعالم العربى، بالطبع كان الارتباط ده ضرورى مش مسألة مزاج، كان ضرورياً أن تخرج الموسيقى عندنا من الجامع، لأن القرآن كان هو العامل الأهم والمصدر الرئيسى -الخشوع اللى فيه مذهل- والخشوع يعنى إحساس، والإحساس هو روح الفن، لا يوجد فن بدون إحساس وروح ووجدان، علشان كده الجماعة الموسيقيين الكبار عندنا، كانوا فى الأصل من مقرئى القرآن. لما تمسك عبده الحامولى -اللى بيعتبروه باخ الموسيقى العربية- تلاقيه فى الأصل كان مقرئ فى الجامع الأحمدى بطنطا، عندك الشيخ سيد درويش، كانت نشأته دينية وكان قارئاً للقرآن فى بدايته بالإسكندرية، الشيخ أبوالعلا محمد -اللى قدم لأم كلثوم الكثير من ألحانه فى بدايتها- كان قارئاً للقرآن. لما تيجى للمسرح المصرى تجد أن عميده -الشيخ سلامة حجازى- كان شيخاً ومقرئاً، وفى الملحنين نجد الشيخ زكريا أحمد، ورياض السنباطى -وهو واحد من الملحنين المهمين اللى عندنا- بدأ كقارئ للقرآن فى المنصورة، بس كان مدارى مش قدام الناس.. القايمة طويلة، أقول لك مين والّا مين، الشيخ أحمد إدريس والشيخ أحمد صابر، حتى أم كلثوم كان من أبرز المزايا اللى فيها البيان أو الإبانة فى حروفها وهى بتغنى، بحيث لا يشكل عليك أى حرف. ولا شك أن القرآن كان مصدراً كبيراً من مصادر تأسيسى أنا كمان كفنان، أنا طالع من جامع سيدى الشعرانى، وعِشت واتربيت فيه، وقريت القرآن فيه واتخرجت منه، وهوايتى وقتها كانت لا تختلف عن هواية المشايخ، يعنى لم أستمع إلى مطرب أفندى أبداً، وكان كل سمعى منحصراً فى أصوات المشايخ، خاصة الشيخ رفعت والشيخ على محمود والشعشاعى، وكنت أهرب علشان أسمعهم.