معركة التنوير فى مصر هى معركة طويلة النفس، ومن يتصور أن تنوير العقل سيحدث بقرار أو يتم بفرمان فهو واهم. التنوير فى مصر ماراثون طويل، يتسلم فيه الراية متسابق ويسلمها لآخر، ولن يكون أبداً مسابقة رماية تنتهى برصاصة، وجزء هام من خطة المكسب أن تحتفظ بالذاكرة التاريخية، فذاكرة السمك المثقوبة تُفقدك نقاطاً فى معركة التنوير، تخسر معها الجولة قبل أن تدخل الحلبة، لذلك فكرت فى توثيق بعض من يوميات معركة التنوير بكل أطيافها، فالتنوير ليس حديثاً فى التراث الدينى فقط، فالكلام عن العلم تنوير، والفن تنوير. شعب لا يجيد الحب ولا يعبر عن مشاعره بصدق، هو شعب بعيد عن التنوير، وطن يهرول أفراده إلى الدجالين وباعة الوهم، هو وطن يخاصم التنوير، مجتمع يعانى من فوبيا العلم والتفكير النسبى وينام على سرير الخرافة، هو مجتمع يخشى النور ويدمن ظلمة الكهف. وكما كتب الجبرتى يوميات تاريخية رصد فيها ووثق الأحداث والمناسبات فى زمن الحملة الفرنسية، علينا أن نوثق يوميات معارك التنوير التى نخوضها أنا وغيرى لإنقاذ العقل المصرى من الفاشية الدينية والاجتماعية التى تكبله وتشله وتمنعه من التحليق بحرية، هذه اليوميات ليست عن أحداث وقتية سريعة التبخر، ولكنها عن منهج فكر ما زال يؤمن بالخرافة ويخشى المنهج العلمى، مرعوب من إعلان الحب والتعبير عنه، عاشق لدفء القطيع وركود العادى والبديهى، المغامرة عنده حماقة، واختراق المسكوت عنه من المحرمات، لضمُ تلك اليوميات فى عقد واحد سيكشف للقارئ عما وراء السطور، سيجيب عن السؤال المؤرق، لماذا أمتنا هى الوحيدة التى ما زالت على خصام مع الحداثة؟ هذه اليوميات هى بمثابة أشعة رنين مغناطيسى لتلافيف العقل المصرى، وأحشاء صراعاته الفكرية التى معظمها ينتمى للقرون الوسطى، أحياناً تكون اللقطات السريعة والكادرات الخاطفة أكثر صدقاً من فيلم مدته أربع ساعات، وغالباً ما تكون إشارة الأصبع محيطة بالشخص والحدث أكثر من الاحتواء والاحتضان. كتابى هو تلك اللقطات والإشارات التى تطرح علامات الاستفهام وتترك الأقواس مفتوحة، وعليكم أنتم وضع نقاط الإجابات. من مقدمة كتاب «يوميات تنويرية»