كتبت من قبل أن 30 يونيو هى الثورة الوحيدة التى خرجت من أجل فكرة مجرّدة، وليس من أجل ضائقة اقتصادية أو فساد حزبى.. إلخ، لكنها خرجت للحفاظ على الهوية المصرية، على الـ«DNA» الحامل لشفرة روحها وعقلها، منذ أن كانت فجر الضمير، إجابة السؤال ليست لخدمة الماضى، ولكنها لخدمة واستشراف المستقبل، وسأحاول تلخيص الإجابة فى حضور وغياب بعض المفاهيم لدى الإخوان، والتى أدت وستؤدى حتماً ودوماً إلى طردهم من حياتنا وعيشهم كجيتو معزول فى حياتنا، وزائدة دودية داخل أجسادنا، وغرغرينا غير صالحة للتعايش معنا، ولا حل لها إلا البتر لإنقاذ جسد الوطن كله من التسمّم، لكن ما هى تلك المفاهيم التى أدت إلى خروج كل تلك الملايين فى اللحظة نفسها يوم 30 يونيو، لإسقاط تلك العصابة الفاشية: غياب مفهوم الوطن، وحضور مفهوم الأمة والخلافة: ليست صدفة أن يقول مرشد الإخوان مهدى عاكف فى حوار له مع الصحفى سعيد شعيب: «طظ فى مصر»، واستعداده لقبول أن يحكمه ماليزى إخوانى عن مصرى غير إخوانى، وقبله قال فيلسوفهم ومنظرهم سيد قطب: الوطن ما هو إلا حفنة من تراب عفن، الوطن بالنسبة للإخوان مجرد غرفة فى فندق، جنسية فى باسبور، رقم فى طابور نداء المسافرين، هى غنيمة وليست قيمة، هى فريسة للابتزاز وليست أرضاً للاعتزاز، تحركات الإخوان كلها كانت لإعلاء مفهوم الأمة وليس مفهوم الوطن، الخلافة لا الدولة، لذلك كان زخم العلاقات العلنية والسرية وزيارات الاحتفاء الفخرية مع تركيا وإيران وقطر وباكستان.. إلخ، تعاملوا مع رموز ودلالات الوطن المجردة مثل العلم والنشيد الوطنى بمنتهى الاستخفاف والاستهانة بل والاحتقار، وأنا هنا لا أفرّق بين إخوان وغيرهم من تيار الفاشية الدينية، فالفروق بينهم فروق كمية لا نوعية، وتكتيكية لا استراتيجية، الرئيس الإخوانى ممثل المرشد فى قصر الرئاسة يصرّح تصريحاً عجيباً وغريباً يلخص لك مفهومهم عن الوطن، حين قال عن حادث اختطاف جنودنا: أريد الحفاظ على أرواح الخاطفين والمخطوفين!، ساوى بين جنود مصر وحراس ترابها وبين صعاليك خونة مأجورين فى سابقة لم تحدث من قبل، انتفض المصرى الحقيقى ابن البلد حين وجد فكرة الوطن على المحك، ومفهوم الوطنية نفسه قد بدأ فى الذبول والتلاشى، فخرج فى اللحظة المناسبة، ليصرخ أنا مصرى وهويتى مصرية. غياب مفهوم التعددية والتنوع وحضور مفهوم الفرقة الناجية: مستحيل أن يحدث سلام بين شخصين يعتقد كل منهما أن الله ساخط على الآخر، جملة عبقرية لجان جاك روسو تلخص ضرورة الدولة المدنية العلمانية التى تحتوى الجميع بحياد وتقف على مسافة واحدة من كل الأديان وتحمى الأديان كلها وليس ديناً واحداً بعينه، وتلخص أيضاً خطر الدولة الدينية التى حتماً ستتقاتل فيها الأديان والمذاهب وتسود فيها لغة الدم بدعوى الحفاظ على العقيدة، احتكار الحقيقة هو بذرة العنف، وأن تعتبر نفسك الفرقة الناجية، بينما الآخرون أهل ضلال وكفر وفسق.. إلخ فهذه بداية النهاية، يذوب ويتلاشى معها مفهوم الدولة إلى الأبد.