صارت أخبار لقاحات كورونا هى التى تتصدر نشرات الأخبار ومانشيتات الجرائد، آخر تلك الأخبار التى يتابعها العالم بلهفة وترقب مثلما يتابع المسلسلات البوليسية، قصة الخليط الفاكسينى: جرعة أولى من فاكسين وجرعة ثانية من فاكسين مختلف، المعامل فى حركة تباديل وتوافيق محمومة، والسؤال: هل العالم مقبل على طبخة فاكسينية مثل طبخات الشيف شربينى التى نشاهدها وهو يخلط هذا بذاك مراعياً المقادير التى ستتحول إلى جرعات؟! هل هى حقائق أم مجرد شقلباظات علمية واستعراضات معملية؟ لم يفق العالم من الجدل حول اللقاحات نفسها ليدخل فى جدل آخر حول الخلطة السحرية. العملية ليست كما نقول بالبلدى «خلط أبوقرش على أبوقرشين»، لكنها تجارب دقيقة ومجهدة بالفعل، وكلها تطمح لزيادة الفاعلية وتقليل الأعراض الجانبية، وسنحكى قصة بعض التجارب وكواليسها والغرض منها، لكن لنسأل أولاً: ما الداعى الملح لمسألة الخلط هذه؟ السبب هو اختناقات إمداد اللقاحات ونقصها فى بلاد كثيرة، لذا فإن القدرة على خلط اللقاحات من مختلف الشركات قد تقلل من الضغط على إمدادات اللقاح، بالإضافة إلى أن هناك بعض الأدلة الأوّلية التى تشير إلى أن هذا الخلط يمكن أن يؤدى أيضاً إلى استجابة مناعية أقوى مقارنة بجرعتين من نفس اللقاح، وأخيراً بسبب المخاوف من الآثار الجانبية النادرة لبعض المنتجات. السؤال الثانى: هل هذا الخلط بين نوعين من الفاكسينات هو موضة حديثة غير مسبوقة؟ الإجابة: لا، فقد حدثت تلك الخلطة من قبل أثناء تجارب البحث عن لقاح ضد الإيدز، ذلك لأن الحماية من فيروس نقص المناعة البشرية تتطلب تفاعلاً مناعياً معقداً يكاد يكون من المستحيل تحقيقه باستخدام نوع واحد من اللقاحات، وقد استُخدم خلط لقاحين أيضاً فى لقاح الإيبولا الذى طورته شركة Johnson & Johnson، وهو مثال على لقاح مختلط فعال يتم استخدامه حتى اليوم، ويعطى مناعة طويلة الأمد، الجرعة الأولى هى نفس ناقل الفيروس الغدى مثل لقاح «AstraZeneca»، وتستخدم الثانية نسخة معدلة من فيروس الجدرى يسمى فيروس اللقاح المعدل (MVA). أشهر اختبارات الخلطات الآن يتم فى معامل «AstraZeneca» التى تدرس حالياً ما إذا كان استخدام الجرعة الأولى من لقاحها والجرعة الثانية من لقاح «Ad26 Sputnik» الروسى سينجح، وكلا اللقاحين يعتمد على فيروسات غدية كنظام توصيل مضاد «SARS-CoV-2» إلى خلايانا، ولكن المشكلة أن جهاز المناعة لدينا لن يكون ضد «COVID-19» فقط، ولكنه أيضاً سيتعامل مع الفيروس الغدى الضعيف الذى يتم استخدامه كوسيلة توصيل، هذا يعنى أنه بعد جرعة ثانية من نفس اللقاح قد تحتوى أجسامنا على أجسام مضادة لمكوِّن الفيروس الغدى الذى يمكن أن يبطل مفعول اللقاح، مما يجعل الحقنة الثانية أقل فاعلية، ولكن يبدو أن لقاح «Sputnik V» قد تجنب هذه المشكلة باستخدام نوعين مختلفين من الفيروسات الغدية لكل جرعة «Ad5 وAd26»، والآن تحاول «AstraZeneca» من خلال الخلط مع سبوتينيك أن تتجنب تلك المشكلة، ولكن ماذا عن استخدام نوعين مختلفين تماماً من اللقاحات، مثل جرعة لقاح ناقل الفيروس الغدى «AstraZeneca» كحقنة أولى، مع لقاح mRNA مثل Pfizer BioNTech كحقنة ثانية؟ بدايات الإجابة كانت فى شهر مايو الماضى، وجدت دراسة «CombivacS» فى إسبانيا أن الأشخاص الذين تلقوا جرعة أولى من لقاح «Oxford-AstraZeneca» متبوعة بجرعة معززة مع لقاح «Pfizer-BioNTech» ظهرت لديهم استجابة مناعية أقوى بكثير من أولئك الذين تلقوا جرعتين من لقاح «AstraZeneca». إلى جانب التأثير الإيجابى المحتمل على الجهاز المناعى، يمكن أن تكون المكافأة الإضافية المحتملة للقاحات المختلطة هى منع اللقاحات من أن تصبح أقل فاعلية فى مواجهة المتغيرات الجديدة مع تحور الفيروس، وإمكانية أن يتغير الجزء الذى يستهدفه اللقاح، مما قد يجعل اللقاح أقل فاعلية، ولكن إذا كان هناك لقاحان يستهدفان أجزاء مختلفة من الفيروس، فإن ذلك يمنح جهاز المناعة لدينا أكثر من سلاح فى ترسانته. الباحثون يجرون دراسات متأنية لاختبار تركيبات اللقاحات المختلفة، فليس المهم فقط تعزيز المناعة ولكن المهم أيضاً منع أى آثار جانبية إضافية محتملة، ففى الشهر الماضى قامت «Com-Cov» التابعة لمجموعة «أكسفورد» بتحليل تركيبات لقاحات مختلفة لاختبار الاستجابات المناعية، ووجدوا أن الأشخاص الذين تناولوا لقاح «AstraZeneca» أولاً ثم لقاح «Pfizer-BioNTech»، أو العكس، كان لديهم المزيد من «التفاعل»، بمعنى أنهم عانوا من آثار جانبية مثل الحمى والقشعريرة والصداع وتعب العضلات وآلام المفاصل مقارنة بالأشخاص الذين تلقوا جرعتين من نوع واحد من اللقاح، وأشاروا إلى أنه لا أحد كان بحاجة إلى دخول المستشفى لأن هذه الأعراض لم تدم طويلاً، لكنهم أضافوا أن هذه البيانات كانت من أشخاص يبلغون من العمر 50 عاماً أو أكبر، وأن الأعراض الناتجة عن خلط اللقاحات يمكن أن تكون أكثر حدة لدى الأشخاص الأصغر سناً، وما زالت التجارب مستمرة للوصول إلى الخلطة السحرية للقاحات.