الخبر الذى نشرته «الوطن» يوم الأربعاء الماضى عن وفاة شاب ٢٥ عاماً أثناء علاجه بالقرآن وإخراج الجن من جسده!!، هو خبر كارثى وصادم ويدل على مدى تغلغل الخرافة فى العقل المصرى، ويشير إلى علة شديدة أصابت هذا العقل بالتغييب والموت الإكلينيكى، الخبر يجعلنا ندق ناقوس الخطر بأنه لا بد من تضافر الجهود ما بين الإعلام والتعليم لإنقاذ عقل مصر بنشر التفكير العلمى، الخبر يقول إن نيابة مركز طنطا بمحافظة الغربية أصدرت قراراً يوم الأربعاء، بحبس 5 أشخاص، بينهم موظف إدارى فى كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، بتهمة التعدى على شاب بالضرب المبرح حتى الموت، وتوثيقه بالحبال بدعوى علاجه بالقرآن من سحر مسه، مما أسفر عن مصرعه. وكشفت مصادر أمنية أن التحريات توصلت إلى أن المجنى عليه توفى أثناء قيام شخص «دجال»، يدّعى العلاج بالقرآن، اسمه «ن. ع»، يعمل موظفاً إدارياً بكلية الشريعة والقانون، إضافة إلى والد المجنى عليه وعدد من أشقائه، حيث قاموا بربطه بالحبال، وضربه ضرباً مبرحاً، بحجة وجود «جن»، وأنهم كانوا يقصدون إخراجه منه عن طريق الضرب. انتهى الخبر، لكن لا بد ألا ينتهى التحليل والدرس واستخلاص الدلالات، الخبر ملىء بالألغام. أولها عدم الاعتراف بالطب النفسى وعلوم هذا التخصّص وجهود تيار كبير من الأطباء على مدى التاريخ ليضعوا بروتوكولات العلاج ويكتشفوا كيمياء المخ وأسرار النفس البشرية وأمراضها، نكتشف فجأة أن تأثير الدجالين والنصابين على العقل المصرى أكبر بكثير من تأثير الأطباء النفسيين وجمعياتهم وروابطهم وأقسامهم، وهذه مصيبة أن تتمكن الهلاوس والضلالات من عقل الشعب إلى تلك الدرجة. ثانياً: سيطرة أى شخص يحمل لقب شيخ أو يرتدى عمامة على وجدان وعقل الغلابة وتخديرهم لدرجة انسياقهم كالقطيع خلفه، ما زالت لهم القدرة على توجيه قطاع كبير من أهلنا فى الريف وتحريكهم بريموت التغييب الدينى. ثالثاً: رفع فزاعة استخدام القرآن فى العلاج واعتبار أن أى اعتراض هو كفر بواح، ووصم منتقد تلك الممارسات بالكفر، والعودة بنا إلى ممارسات القرون الوسطى، والتى ثار عليها الأوروبيون، ولكنها ما زالت تعشش كالعنكبوت فى عقولنا. رابعاً: فى القرن الحادى والعشرين ما زال الكثير من المصريين بفضل ما يقال على المنابر وفى الفضائيات عن الجن يؤمنون بتلبس الجن لأجسادنا، بل مشاركته لأفراد الشعب فى كل تفاصيل حياتهم حتى النكاح، وبث الرعب فى قلب وعقل كل من يفكر فى التفنيد أو الدحض بأنه معترض على كلام ربنا أو مرتد أو خارج عن الملة أو مادى صهيونى علمانى ملحد ماسونى.. إلخ!!. خامساً: أن يصل الخبل والجنون بالبنى آدم إلى ضرب ابنه حتى الموت لطرد الجن من جسم ابنه بفرمان من الشيخ المعالج، والمصيبة هى أن هذا الأب وهؤلاء الإخوة لا يحسون بأى تأنيب ضمير، فقد كانوا يؤدّون واجباً دينياً!!، وأخطر الجرائم هى التى تتم بمبرر دينى.