رحل الضوء الأخير فى ثلاثى أضواء المسرح، ودّعنا أمير البهجة، الوحيد الذى يستطيع أن يخرجك من قاع الحزن والهم إلى ذروة الضحك بإيفيه أو حتى بنظرة أو تعبير، أجمل من خرج عن النص باحتراف ومعلمة، طالما طبطب على قلوبنا بالبسمة، فقدنا كرم الفرح فى الزمن البخيل، فقدنا سموره، سمير غانم، كان يستطيع أن يضحكك بمجرد نظرة.. لمحة.. لفتة...إشعاع بهجة متحرك مع أول طلة.. ممكن ألا يتكلم كثيراً، يؤدى مشهداً صامتاً، لكن فقط بريأكشنات الوجه، تقطيبة جبين، رفع حاجب، دهشة عين، سرعان ما يجسد لك عبث الموقف وكوميديته المفرطة فى اللامنطق، والتى من شدة عبثيتها تضحك حتى الثمالة، من الممكن أن تقاوم أى شىء على وجه الأرض إلا مقاومة ابتسامتك عندما تشاهد سمير غانم، سمير لا يقاوم، ودائماً تخسر رهانك معه، حتضحك يعنى حتضحك، إنه تحدى البهجة الذى له فائز واحد وكسبان متفرد اسمه سمير غانم. كما اختار التمرد على طريق الأب الضابط وخرج من جلبابه المنضبط ولم يستكمل كلية الشرطة، اختار التمرد على سجن الإيفيهات المكتوبة وصار ملك الارتجال، كان مؤمناً بأن جمهور المسرح متغير المزاج، ليس كتلة صماء، ليسوا نسخاً متشابهة كعيون الصينيين، لكن كل يوم مختلف، بل كل ساعة، ووصلة الكهرباء السحرية بينه وبينهم لا بد أن تكون مضاءة طوال الوقت وفى غاية المرونة، فيضبط نفسه على موجتهم ومزاجهم، ويرتجل معهم اللحظة، كانوا يطلقون على ما يصنعه على المسرح تهريجاً، وكانت فلسفته «وماله» فالحياة هى أكبر تهريجة، وكل هذا العبث الذى نعيشه لا يمكن التعامل معه إلا بمنطق التهريج والارتجال، الضحك لمجرد الضحك وبعث السعادة هو نفسه هدف ورسالة، خاصة مع شعب إذا ضحك يقول اللهم اجعله خير، شعب اخترع للحزن فناً وللمقابر سلطة. هذا الزمن البخيل الضنين استكتر علينا سمير، هذا الفنان الذى كان واحداً من ثلاثة اكتشفهم المخرج محمد سالم، كان هو المنبوذ فيهم طبقاً لمقاييس الكوميديا، الرفاق كاراكترات، فالضيف أحمد نحيف، وجورج بدين، وهذه الصفات الممنوحة ربانياً تمنحهما قبولاً مجانياً، لكن سمير الطويل الرشيق الجميل متناسق الملامح كان عليه أن يفرض نفسه بالموهبة وأن يشق طريقه بالتفرد، وقد حدث بالفعل وصار أيقونة البهجة العربية، لا ننسى أنه قد صنع شخصية فطوطة التى صنعوا منها عرائس وتماثيل وأغلفة كراسات.. الخ، كان الأطفال يعلقونها على حوائط غرفهم، والأطفال بالذات لهم مع سمير غانم حكايات عشق وغرام لا تنتهى، أحبوه كما لم يحبوا شخصية مثله، كان أول من مارس الستاند أب كوميدى فى مونولوجاته الكوميدية الطويلة والتى كانت أحياناً مفاجأة لزملائه، ميزة سمير غانم الإنسانية أنه كان خفيف الدم وشخصية مريحة على الشاشة وخارج الشاشة، لم يكن لديه أى سواد أو غل، متصالح مع نفسه، باختصار وبلغتنا العامية إنسان يحب الروقان. سمير برحيلك توقف دينامو البهجة عن ضخ كهرباء الفرح فى حياتنا