شخصية الشيخ مؤنس فى مسلسل «لعبة نيوتن» هى أفضل شخصية مرسومة بدقة وتفرد وتميز فى دراما رمضان لهذا العام، وقد أداها بعبقرية وإحساس موزون بميزان الذهب الممثل الموهوب محمد فراج، الشخصية ليست زاعقة ولا صارخة، هو ناعم كجلد الحية الذى يتغير كل فترة، لزج لزوجة العسل الذى انتهت صلاحيته فصار ثقيلاً مسموماً، ذكى ذكاء الشر المدمر كزلزال مباغت، هادئ هدوء ما قبل العاصفة والبركان، لحيته مهذبة، يرتدى أفخم البراندات والسينيهات، يتعطر بأغلى العطور، لا يرتدى الجلباب الأفغانى ولا يمسك بالسواك وليست فى جبهته زبيبة بارزة، إخوانى سلفى أمريكانى. قابلنا هذا النمط كثيراً فى حياتنا وتعاملاتنا، وما زالت أمريكا تستقبلهم حتى اليوم، بل وتسهّل لهم دخول «هارفارد» التى لا يستطيع إلا مليارديرات أمريكا الاقتراب من مدرجاتها، يوفرون لهم المناصب ويفتحون لهم الأبواب، لكن العبقرية فى أن المسلسل حوّل هذا الشخص إلى لحم ودم وليس إلى نمط سابق التجهيز، لخّص البيت الذى شكّله فى ربع ساعة خانقة، لخّصه بدقة أشعة مقطعية أغنتنا عن مجلدات تشرح لنا حالة البيت الإخوانى أو السلفى بالمصطلحات المعقدة، بداية من الملابس وطريقة دخول البيت وديكوراته وأسماء الأطفال الصحراوية المهجورة، يكفى أننا وجدنا زوجاً لم يصادف وجه أخت زوجته ولا يعرفها إن رآها فى الشارع، شاهدنا انسحاق المرأة تحت تأثير تزييف الوعى الممنهج، كل هذا هو الذى أفرز تلك الحالة المؤنساوية التى شوهت هوية مصر وغيّرت الـ«دى إن إيه» الوراثى الذى تناقلته الأجيال عبر السنين، يعرض المساعدة وفى نيته خطف الفريسة، يستعيذ بالله من الخطأ ويرتكب الخطيئة، يتسلم الأمانة من زوج «هنا» ويُخفى خطاب الحب والاعتذار عنها ليكمل خطته، يصرخ: أنا لا أطيق الانتظار على حقوقى الشرعية ويسمح لها بتأجيل الدخلة التى بدأها بتناول التمر واللبن حتى يطبق الشرع، يترك لها حرية الاختيار حتى ترتدى الساعة فى يدها اليمنى وتتحجب بالخمار الأسود! يكذب فى المحكمة بل ويقسم ويحنث بالقسم لأنها دولة كافرة حلال فيها التقية والكذب، يخدّر زوجته الأولى بمعسول الكلام الشرعى حتى تصل إلى حالة الانسحاق وقبول المهانة واستعذاب الخيانة، فتطلب من «هنا» أن تسرع بالزواج من زوجها!! لا تستطيع أن تقبض عليه باتهام واضح وجسيم، ولكنه كالسرطان يباغتك بدون إنذار بعد أن يسرى فى الدم والخلايا، ما حدث من تفاعل وحيرة تجاه تلك الشخصية يثبت أن صنّاع العمل يفهمون الدراما حق الفهم، ويضبطون الإيقاع كأوركسترا محترف، لا يبدأ فى عزف الكونشيرتو حتى تتوازن وتتناغم كل الآلات، لنا مع هذا المسلسل جولات وجولات، فقد أثبت بالفعل أنه الأفضل لهذا العام، وربما منذ أعوام لم نشاهد مثل هذا الإيقاع المنضبط لمسلسل اجتماعى، لنا مع معانيه العميقة التى تحت هذا السطح وخلف تلك الحكاية التى تتجاوز حيرة امرأة اسمها «هنا» بين زوجين، إنها بلد بين مؤنساوى وحازماوى.