عندما حكى لى مريض مُسن عن أنه قد استخدم العسل لعلاج قرحة فى ساقه، كنت أحسب كلامه من قبيل أعراض خرف الشيخوخة، لكنى فوجئت بأن هذه الطريقة يستخدمها الكثيرون فى علاج أمراض كثيرة، ومنها القدم السكرى، وتلك كارثة ومأساة، لذلك أنشر اليوم رسالة الصديق د. بهى الدين مرسى حول هذا الموضوع الخطير، كتب د. بهى: هاتفنى صديق حول فوائد عسل النحل فى علاج جروح القدم السكرى، وعزا هذه القدرة إلى احتواء العسل على أجسام مناعية. وبداية كلمة صغيرة عن العسل: هو محلول سكرى عبارة عن خزين الفركتور (سكر الفاكهة) غذاء ومصدر طاقة للنحل والإنسان، وبه بعض الفيتامينات المحدودة، ولكن محتواه من الفيتامينات والمعادن لا يرتقى لمحتوى طبق السَلَطة ولا لكوب من كوكتيل عصير الفواكه. الضجة عالية بلا فهم، ويتلاعب أدعياء الأستاذية من أرزقية الفضائيات بقول رب العزة جل شأنه فى الفهم متعدد الأوجه لقوله تعالى «فيه شفاء للناس»، يا سادة، لفظ الشفاء فى اللغة العربية ينصب على علة الصدور، كما جاء فى الكتاب الكريم ثمانى عشرة مرة، وعلل الصدور هى أمراض النفس والكدر والضيق، أما التعافى من بقية الأمراض العضوية والوظيفية فهو فى اللغة العربية اسمه «الإبراء»، وقد أسند الله لفظ الإبراء فى معرض الحديث عن التعافى من العلل مثل الأكمه والأبرص. برغم هذه المقدمة عن حقيقة العسل فإن الجدل الهاتفى استمر بيننا قرابة الساعة، ولا أظن أنه غيّر من تمسكه بالمعلومة بالرغم من ادعائه ظاهرياً بأنه بات يتفهم الأمر. يقينى أن ربط بعض الأمور المعرفية بالفقه (الفقه ليس هو الدين وإنما فهمك الخاص للدين وقد يكون فهمك خاطئاً) يجعل تغيير المفاهيم أقرب إلى المستحيل، فمن وصل إلى مدركاته أن الحمل يمتد لخمس سنوات، كون المعلومة جاءت على لسان أحد رموز الفقه، فلن تفلح معه محاولات التصحيح ولو أصبح أستاذاً لأمراض النساء. أعلم أن تجربة علاج جروح القدم السكرى بالعسل كانت شائعة فى ثمانينات القرن الماضى وأتحدى إن كانت حالة واحدة من مئات الآلاف قد تعافت والتأم الجرح. الحقيقة: الأنسجة فى منطقة جرح القدم السكرى مشبعة بتركيز عالٍ من الجلوكوز ومعه بالطبع قدر عالٍ من تميؤ الأنسجة، مما يجعلها مرتعاً خصباً لازدهار البكتيريا، وأضف عليها ضعف الإرواء الدموى للجرح، مما يجعل الجرح أشبه بمنطقة خارج الجسم بعيداً عن دفاع المناعة ومهاجمة كريات الدم البيضاء، بل وحتى فشل المضادات الحيوية فى الوصول للجرح بسبب عطب التغذية الدموية. عسل النحل له خاصية امتزاز (وليس امتصاص) الماء من الأنسجة المحيطة بالجرح، ومن ثم إتاحة فرصة لوقف نمو البكتيريا بسبب تغير ملاءمة الجرح، ولكن هذا الأثر ضئيل ومحفوف بمخاطر إضافة المزيد من السكر للجرح ومن ثم التخمر العضوى. وحتى الادعاء بأن العسل غنى بالأجسام المناعية وهو ما يضمن محاربة البكتيريا ومن ثم شفاء الجرح، مردود عليه بأن الأجسام المناعية ليست متاعاً للجميع، فهى متخصصة لميكروب واحد مثل المفتاح الذى يعمل على قفل واحد من بين ملايين الأقفال. هناك البديل الأفضل وهو مادة «جليسرين المانيزيا»، وأظن أن أصل التسمية «جلسرين الماغنيسيوم»، وهو مركب من الجليسرين المخلوط بسلفات الماغنيسيوم، وهما يصنعان مركباً شديد الشراهة لامتصاص الماء من الجرح، وهى خاصية تعرف بالـ(Hygroscopy). يميل الطب الشعبوى إلى رف العطار عوضاً عن رف الصيدلى حتى وإن تماثلت الوصفات، فتجد أن الكراوية والينسون أكثر محبة للنفس من أشربة على رف الصيدلية تحتوى على نفس المواد. إياك أن تسأل مجرباً وتتجاهل الطبيب