لكل فعل رد فعل مساوٍ له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه، إنه ليس قانوناً فيزيائياً لنيوتن فقط، ولكنه قانون درامى للفنان أيضاً، هو القانون الثالث لعبقرى العلم نيوتن، ولكنه القانون الأول للسيناريست والمخرج إذا أراد صنع عمل فنى محكم وجميل وجذاب، لذلك «لعبة نيوتن» ليست مجرد عنوان مسلسل، ولكنها روح عمل فنى جميل ومتألق، يتفرد بمساحة تميز وسط الأعمال الأخرى لها مذاق خاص ومتفرد، تحس منذ اللحظة الأولى أنك أمام عمل فنى بمقاييس الجودة ومعايير الأيزو، والتى على رأسها أن المخرج هو صاحب بصمة العمل ونافخ الروح الفنية المتميزة فيه، هو الألف وهو الياء، هو الدكتاتور النبيل الذى لا بد أن يحتفظ بالروح الديمقراطية فى مرحلة ما قبل البلاتوه، أما عند التصوير فممنوع لىّ ذراعه من أى عنصر فنى، هذا ما جعل مسلسل لعبة نيوتن استعادة لما افتقدناه كثيراً من تراجع دور المخرج لصالح دراما النجم والسوق، وقد فهمت النجمة منى زكى، لأنها مثقفة وفنانة حتى النخاع، هذه الصيغة، فهمت أنها ستنجح إذا احترمت منظومة المخرج المبدع صاحب الروح، لذلك ظهرت منى زكى فى دور وأداء لا أبالغ إذا قلت إنه أفضل أداء فى تاريخها وأفضل أداء لدراما هذا العام بين كل النجمات. المخرج المبدع تامر محسن هو مهندس سابق، ولكنى أعتقد أنه لم يتخلَّ عن مهنته الأولى، فقد طبّق فن الهندسة المحكم فى هذا المسلسل الذى ستحبس معه أنفاسك حتى آخر لقطة، كيف يبدأ الحلقة بمشهد الذروة مع الاحتفاظ بغموض فاتن وجميل، ثم يكشف بالتدريج وبالتوازى بين عالمين مختلفين تماماً، عالم العم سام الأمريكى، وعالم ريف ومزارع مصر، الزوجة التى سافرت لحلم ولادة طفلها فى قارة الوفرة والثراء، والزوج الذى لم يفلح فى السفر معها وظل يرعى النحل فى المزرعة، التوازن فى الفعل ورد الفعل، والتوازى بين العالمين، والانتقال بين هذا وذاك، تم بدقة عالم فى معمل، مع الاحتفاظ بخيال فنان جامح لا يحده سقف أو سور، الدقة والبيرفيكشن والاهتمام بالتفاصيل وعين المخرج الكاشفة كأشعة رنين مغناطيسى، راجعوا مشهد موت شاهين بقرصات ولدغات النحل، راجعوا اختياره البيت الذى يسكنه سيد رجب، وأعتقد أنه فى قرية تونس بالفيوم، البيت جزء لا يتجزأ من شخصية ساكنه ومن روح المسلسل، كل ممثل تحس أنك تراه لأول مرة، وتعرف وتتأكد أن هناك وراء كل حركة ولفتة مخرجاً فاهماً وواعياً ويحترم عمله. الممثل محمد فراج ومحمد ممدوح وسيد رجب وعائشة، كلهم متميزون بطعم خاص وبأداء عبقرى لكنه محكوم بخدمة روح العمل ككل، ومن المرات النادرة التى أجد فيها أن ورشة الكتابة مسيطَر عليها بواسطة جهاز عصبى مركزى وجنرال يلملم كل التفاصيل تحت مظلة واحدة بروح ولون العمل الفنى الذى يتصدى له. أرشح لكم «لعبة نيوتن»، ممتع فى غموضه، إنه التوتر العذب والفضول المستفز والرومانسية المبتورة بحكم قانون الحياة البخيل، شكراً تامر محسن، وشكراً كل كتيبة نيوتن.