فقدت مصر المفكرة والرائدة والمناضلة والمبدعة نوال السعداوى، ودعها العالم كله وليس مصر فقط، فنوال السعداوى ليست مجرد شخص عادى أو قصة عابرة، ولكنها تاريخ نضال وعناد وتمرد وتنوير، أكثر من أربعين كتاباً، رئاسة تحرير مجلة، عمل نقابى فى نقابة الأطباء، عمل اجتماعى فى منظمة تضامن المرأة، عمل سياسى وثقافى فى كافة الميادين، فصل ورفد من وزارة الصحة لأنها هاجمت ختان النساء وكتبت عن الجنس والمرأة، تشريد ومطاردة ونفى، سجن فى زمن السادات، إلقاء محاضرات فى أكبر جامعات أمريكا، جوائز ودكتوراهات فخرية وأوسمة من كافة قارات العالم وبلاد الدنيا إلا مصر!! أصدق وأشرف من رأيت وسمعت، فى كل معاركها لم تشتم أو تسب أو تتلفظ بلفظ خارج برغم كل السفالات التى تعرضت لها، رُفعت عليها قضايا سحب جنسية وازدراء أديان وحسبة وتفريق، هُددت بالقتل من جماعات التطرف، وبرغم ذلك أصرت على أن تعيش وتموت فى هذا الوطن الذى عشقته وحاربت من أجله وناضلت من أجل تحرير بناته من العبودية والقهر والاستغلال. كل هذا التاريخ ويأتى بعض الحمقى اليوم ليقرروا حرمانها من الجنة، وشتمها بأقذع الألفاظ وألعن السباب، منتهى الوضاعة وفجر الخصومة، وهكذا دائماً أصحاب الأفكار الهشة، مرعوبون ممن يدفعهم إلى التفكير والتساؤل، انطلق الفاشيون والضباع فى وصلة استعراض وبلطجة، لنشهد ويشهد معنا العالم الذى اندهش وتساءل مع صلاح عبدالصبور: متى ترعرع فى وادينا كل هؤلاء الحمقى الأوغاد؟! كل منهم مشروع إرهابى مستعد للقتل والذبح وقت أن تحين له الفرصة، إن كتبت ودافعت فستجد فوراً قذائف المولوتوف اللاعنة والشاتمة بالأم والأب، وتنتهى عباراتهم دائماً بجملة «ربنا يحشرك معاها»، وكأنهم امتلكوا مفاتيح الجنة وتوكيلاتها، يوزعون البشر حسب المزاج إلى الفردوس أو جهنم، كل منهم لديه رقم «واتساب» السماء البرايفت، منتهى الثقة، كان ردى: «وهو الواحد يطول، يتحشر مع مبدعة ومفكرة ليستزيد من علمها وفكرها وفنها، يحشر مع كل من تكرهه خفافيش الظلام، مع مجدى يعقوب وأينشتين وداروين ونيوتن وشكسبير وسعاد حسنى ووحيد حامد، وغيرهم من ملح الأرض وبهجة الكون». وإذا كان معيار الجنة هو الصدق فنوال السعداوى فى أفضل مكان، وإذا كان عدم النفاق فهى فى المقدمة، يكفيها دعوات كل بنت أنقذتها من الختان، وانتشلتها من بربرية تلك الجزارة التى تمارس باسم الطهارة، تكفيها كل ابتسامات السيدات اللاتى تحررن من سجن الذل والقهر بقوانين الخلع والحضانة، يكفيها كل ذلك لكى تكون فى أفضل مكان تكفله عدالة السماء، الشماتة فى الموت غباء، لأننا كلنا سنموت، وحتى الأنبياء ماتوا، وإذا كنتم تحسبون أن الموت عقاب إلهى وقصف عمر، فتعالوا نحسبها، ماتت نوال السعداوى عن عمر يناهز ٩٠ عاماً، ومات حسن البنا فى بدايات الأربعين!!، فإذا كنتم تشمتون فى الموت وتحسبونها بالأعمار، ففكروا يا عنبر العقلاء أيهما عوقب طبقاً لمنهج تفكيركم المتخلف!!، للأسف كنا نظن هذا التيار الإسلاموى مكروهاً لأنه منعدم الوطنية، واتضح أننا نكرهه لأنه منعدم الإنسانية.