فى عيد الحب رددوا هذه العبارة: نحن لا نقع فى الحب، بل نحن ننمو فى الحب، هذا هو المفهوم الذى لا بد أن يحكم سلوكنا تجاه هذه العاطفة الجميلة التى تم تشويهها وابتذالها حتى صارت بلا معنى مثل الماء النظيف بلا طعم ولا لون ولا رائحة! لا بد أن نفهم أن الحب كالبذرة الصغيرة لا بد لها من الرى والرعاية والجهد حتى تنمو إلى نبتة ثم شجرة كبيرة يستظل بظلها الحبيبان، والحب ليس نباتاً شيطانياً يظهر فجأة، وليس أيضاً نبات صبار يحتمل هجير الصحراء الموحشة وجفافها القاسى، إنه زهرة رقيقة تحتاج إلى مزيد من العناية والبذل والتنازلات والتخلى عن النرجسية حتى تخرج من الصوبة المعقّمة لتضرب بجذورها قوية وسط الأحراش والعواصف وبراكين المجتمع الذى لا يكره شيئاً فى الكون مثل كراهيته للحب، فهو يتغنى فى العلن باسمه فى كل وقت، ويغتاله ويغتابه فى الخفاء فى كل مكان. الحب سلوك مكتسب، وهو ما يناقض البديهيات التى تربينا عليها، وهى أن الحب سلوك فطرى يقترب من الوظائف البيولوجية مثل الأكل والتنفس، الحب مشاركة وليس عطاء بلا حدود، للأسف نحن نعيش مع بعضنا البعض ولكننا جميعاً نموت من الوحدة. البداية لكسر هذه الوحدة الباردة أن نكون أنفسنا، فقديماً رُفع شعار «اعرف نفسك»، ونحن حالياً نرفع شعار «كن نفسك»، للأسف أنت لست نفسك ولكنك النموذج الذى يريده المجتمع لك فى أثناء صناعته لخرافة المواطن الصالح، فأثناء طفولتك مثلاً وحين تطلب منك مُدرسة الرسم أن ترسم شجرة فأنت تحصل على إعجابها وعلى درجتها النهائية حين ترسم شجرتها هى وليست شجرتك أنت، وتظل طوال حياتك ترسم شجرات الآخرين وتسير فى طرقهم المعبَّدة، وتسكن فى مساكن أفكارهم المعلَّبة سابقة التجهيز، فالبداية الصحيحة والسليمة هى أن تهرب وترسم شجرتك أنت، وتضحك حين تريد أن تضحك، وتبكى حين يخنقك البكاء، وفى هذا المعنى يكتب «ليو بوسكاليا» الذى قام بتدريس كورس لتعليم جوهر الحب: «لا حاجة بنا لأن نخشى من أن نلمس، وأن نشعر، وأن نُبدى الانفعال، إن أيسر شىء فى الدنيا هو أن تكون «كما أنت»، وإن أشق شىء تكونه هو ما يريدك الآخرون أن تكونه». من أهم الخرافات التى تقتل الحب خرافة الكمال، فالشخص المحب لا حاجة له أن يكون كاملاً، بل يكفيه أن يكون إنساناً فقط، ونحن كثيراً ما نخاف على أن نقدم على فعل أشياء كثيرة لمجرد أننا لا نستطيع فعلها على نحو كامل، فلا تخافوا من النقصان، وثقوا فى إمكانية التغيير، فالتغيير هو الشىء الوحيد الثابت فى هذه الحياة، وعليك أن تعرف أن نقيض الحب ليس الكراهية، وإنما هو اللامبالاة وفتور الشعور، فإذا كرهنى شخص ما فلا بد أنه يشعر بشىء ما إزائى وإلا ما استطاع أن يكره، والذى يكرهنى لى طريق معه، أما الذى لا يبالى بوجودى فلا طريق معه، فإذا وجدت نفسك لا تستطيع التفاهم مع مَن هم بجانبك على مسرح الحياة فلا بد أن تغير مشهدك وترسم ستارة خلفية جديدة لمسرحك، وتحيط نفسك بممثلين جدد، وتكتب مسرحية جديدة لتؤديها بصدق، يقول الكاتب اليونانى كازانتزاكس صاحب رواية زوربا: «لديك فرشاتك وألوانك، فارسم الفردوس وادخله آمناً».