عندما أيقنت أن رومانسية «حبيبى دائماً» لن تعود، قررت أن ترحل، ودعتنا، جهزت حقيبة الروح المنهكة ببصمات أكثر من ستين عاماً من العمل والإنجاز والكتابة والإدارة الإعلامية، وأنا أقبل جبينها الوضاء، لم أر خطوط الزمن على ملامحها بل رأيت بصمات الفن الذى كانت تعشقه حتى النخاع، فن السينما والدراما، رأيت أصابعها وهى تكتب وتشطب وتتوقف عند جملة حوار بالساعات حتى تروق للسمع وتناسب العقل، رأيت الوسوسة فى صياغة إبداعها، التى كانت مزعجة لعشاق زمن اللكلكة، إنها كوثر هيكل التى بدأت مع ماسبيرو منذ زمن السقالات حتى جلست على مكتب أكبر المناصب فيه وظلت رئيسة لمهرجان التليفزيون العربى عدة سنوات. مسيرتها الإدارية فى التليفزيون لا تقل عن مسيرتها الفنية فى السينما والدراما، فكانت بدايتها مخرجة أفلام تسجيلية قصيرة، منها سلسلة رائعة لا أعرف إذا كانت مكتبة ماسبيرو تحتفظ بها حتى الآن أم لا، كانت بعنوان «يوم فى حياة»، استعرضت فيها أياماً من حيوات البسطاء، عامل بناء، صياد، بواب.. إلخ، أثناء إشرافها على إدارة البرامج الثقافية فى القناة الثانية، جعلت من القناة الثانية بأفكارها اللامعة، حيث كانوا يسمونها بنك الأفكار المتحرك، جعلتها كنزاً ثقافياً مرئياً، حيث شاهدنا برامج الفن التشكيلى والموسيقى الكلاسيكية وتكنولوجيا وعالم البحار والأمسيات الثقافية.. إلخ، كانت عاشقة للسينما فطلبت من يوسف شريف رزق الله إعداد «أوسكار»، وظهر فى وقت رئاستها للقناة الأولى برنامج سينما لا تكذب ولا تتجمل، وأصبحت القناة الأولى فى عهدها مشتل المذيعين الشباب الذين صاروا نجوماً فيما بعد، أحمد مختار وجمال الشاعر وعزة مصطفى وسلمى الشماع وفريال صالح ونجوى عزام وراوية راشد.. إلخ، فى ظل رئاستها لمهرجان التليفزيون أدارت بحكمة وذكاء كل خلافات لجان التحكيم، التى كانت أحياناً تتجاوز الحدود. تعمدت أن أكتب عن مسيرتها التليفزيونية أولاً لأن معظم التغطيات أهملتها، وأتمنى من التليفزيون المصرى وإدارته أن تتذكر كوثر هيكل التى هى من الرواد وجيل تأسيس التليفزيون المصرى الذى ولد عملاقاً بفضل جيلها، أما دورها فى السينما والدراما فيحتاج إلى مساحة أخرى لأنه دور لن تنساه الشاشة السحرية لها كمبدعة حوار لن تتكرر.