فى الليلة الظلماء يُفتقد البدر، هكذا قلت عندما قرأت كتاب «اسمى بولا» للناقد الفنى والصحفى الدؤوب أيمن الحكيم، والصادر عن دار نهضة مصر، وبالفعل كان الكتاب على مستوى توقعاتى وعلى مستوى الشخصية التى تناولها، لم يكن مجرد تسجيل حكايات على لسان نادية لطفى، ولكنه بحث وتحليل لما وراء الحكى وخلف السطور. كشف أيمن الحكيم، بحسه الصحفى والفنى، عما يبحث عنه القارئ فى شخصية نادية لطفى، أهم ما كشفه لنا الحكيم، أو بالأصح ما صححه لمعظم القراء، هو أن نادية لطفى أو بولا ليست من أصل أجنبى على الإطلاق، بل إن جذورها مصرية، تنتمى إلى سوهاج من ناحية الأب وإلى الشرقية من ناحية الأم، وأن إشاعة أنها بولندية هى خطأ صحفى، الصعيدية هى مفتاح الشخصية، العناد والصراحة والطيبة والجدعنة، هذا هو الملخص الذى تخرج به من الكتاب، لا تهمها سلطة أو تخويف أو حرمان مادى، تعرّض نفسها للخطر من أجل إنقاذ صديق أو حتى صورة ذهنية لصديق، كما فعلت مع رشدى أباظة الذى صوّرته إعلامية تنكرت فى زى ممرضة وهو على فراش الموت طمعاً فى سبق صحفى، فطاردتها وهددتها حتى حصلت على النيجاتيف، حفاظاً على صورة رشدى أباظة فى أذهان عشاقه، وعندما تعرّض صديقها يوسف إدريس لاضطهاد وضائقة مالية وابتعد عنه الجميع افتعلت أنها تريد شراء قصة لتقوم ببطولتها. ستعرف من خلال صفحات هذا الكتاب المهم كيف تم طبخ تلك النجومية الطاغية، إنها ليست من فراغ ولكنها نتاج ثقافة، نادية لطفى كان لديها صالون ثقافى، نادية لطفى كان أهم أصدقائها كامل الشناوى وإحسان عبدالقدوس الذى استعارت اسمها الفنى من قصته «لا أنام»، وصلاح جاهين والأبنودى... إلخ، قامات ثقافية رفيعة، كل واحد منهم جامعة متحركة، أما القامات الفنية فحدّث ولا حرج، كانت بوصلتها دائماً تتجه إلى المخرج المثقف الموسوعى. أهم ثلاثة أسماء منحهم الكتاب ظلالاً ودفئاً وعمقاً عرفنا منه جوانب مبهرة فى شخصياتهم، يوسف شاهين، شادى عبدالسلام، حسين كمال، وقصتها مع شادى حدوتة منفصلة، ففيلم المومياء، وهو واحد من أعظم الأفلام المصرية العالمية، لم يكن ليمر أو يوافَق عليه إنتاجياً إلا بسبب اسم نادية لطفى على الأفيش. أما الأيادى البيضاء لنادية لطفى على شباب المخرجين فلولاها ولولا اقتناعها بهم لكانت خطواتهم ستتأخر كثيراً، منهم على عبدالخالق وخيرى بشارة وهشام أبوالنصر ويوسف فرنسيس. ستتعرف من خلال صفحات الكتاب أيضاً على مدى حبها لتراب هذا الوطن، بعد الهزيمة وفى عز النصر، انتمائها القومى العربى وعلاقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية واللاجئين الفلسطينيين، علاقتها باليسار المصرى وتشرُّبها لأفكار العدالة الاجتماعية، نادية لطفى احتلت عرش القلوب لأن لها رصيداً ثقافياً وليس لموهبتها فقط، صقلت الموهبة بانغماسها فى الحياة الثقافية المصرية حتى النخاع. كتاب «اسمى بولا» لا بد أن تقرأه كل فنانة شابة لتخرج من وهم أن الفن مجرد سلعة تحتاج لماكياج وفيللر وبوتوكس. نادية لطفى، برغم كل هذا الجمال الطبيعى الربانى، كانت لديها مكتبة عامرة بكل أنواع الكتب ولم تعتمد على ملامحها الأوروبية فقط، كل الشكر لدار نهضة مصر على تصديها لإصدار هذا الكتاب، وشكراً لأيمن الحكيم، تلميذ رجاء النقاش، الذى أثبت أن ما زرعه رجاء من دروس وما تركه من بصمات أثمر كاتباً نجيباً اسمه أيمن الحكيم.