كنت أظن هذا السؤال نكتة أو نوعاً من الاستظراف أو الكوميكس، لكنى عندما استمعت إلى شيخ فاضل وجليل ومن كبار رجال الدين فى مصر فى خطبة الجمعة، عرفت أن هذا السؤال جاد بل فى منتهى الجدية، وأن سائله يعتمد على ما قاله الشيخ على المنبر، بأن المسلسلات الفاحشة التى تقدم على شاشاتنا هى سبب انتشار الوباء! والعجيب والغريب أننى عندما سألت وتقصيت عرفت أن أوبئة الطاعون والجدرى قد ظهرت قبل إنشاء قطاع الإنتاج، وكانت سابقة على تأسيس شركات الإنتاج الدرامى الخاصة! وأن هناك طاعوناً قد ظهر فى عصر أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب، وراح ضحيته الكثير من الصحابة الذين من المؤكد وحتماً أنهم لم يشاهدوا المسلسلات أو الأفلام أو التمثيليات. الخطبة وكلامها واتهامات الشيخ ليست هى المشكلة، ولكن المشكلة الكبرى والخطيرة هى فى الفكر الذى أفرز مثل تلك المقولة، والذى شكّل ذلك الاتهام، الفكر الذى زعم من قبل أن الفقر سببه عدم ارتداء الحجاب، وأن الزلزال سببه عدم إطلاق اللحى، وأن تسونامى هو بسبب مايوهات شواطئ أندونيسيا!! إلى آخر تلك الكليشيهات التى حفظناها عن ظهر قلب، والتى تحول العلاقة الخاصة بين الإنسان وربه إلى علاقة تربص وخوف وفخ عذاب وانتظار هفوة، وإطلاق وصف العقاب الإلهى على كل كارثة أو مأساة تحيق بالبشرية! كراهية الفن والمسلسلات والدراما والسينما والمسرح والفن التشكيلى والباليه والنحت صارت صفة مشتركة بين دعاتنا، وشماعة تعلق عليها كل مصائبنا، من وباء الكورونا إلى الكساد الاقتصادى، ومن انفجار ماسورة مياه إلى ارتفاع سعر الدولار!! هذا التفكير الكسول هو المعطل عن الفعل، عن العمل، عن بذل الجهد، هذا الفكر لا يحترم العقل، يغتاله، ويستريح لتفسيرات ميتافيزيقية أسطورية، ويقتنع على سبيل المثال بأن الرعد والبرق نتاج مخاريق من نار تسوق بها الملائكة السحاب، ولا يصدق تفسيرات العلماء الفيزيائية أو يفضل تلك التفسيرات ويطمئن إليها عن التفسيرات العلمية التى يعاديها ويعتبرها خصماً من الدين، هذه التفسيرات تشل العقول عن محاولة الإصلاح، لأنه ما دامت الكارثة هى عقاب برغم الدعوات والتوسلات والأذكار، إذن فالحل هو فى أن نضع الأيدى على الخدود، ونلطم ونولول، وننتظر من السماء عقد الصلح أو قبول الاعتذار، الذى لا نعرف معه شروط وآلية القبول أو توقيت وزمن العفو. الفن رقى روحى وتهذيب وجدانى ومتعة جمالية، والدراما ليست هى التى خلقت داعش أو تنظيم القاعدة، أو جعلت الإرهابى حبارة يذبح فى سيناء، أو الإخوانى المهندس يُلقى بالأطفال من فوق السطوح فى الإسكندرية! والمسلسلات لم تحرق أو تفجر الكنائس، ولم تضرب المصلين فى المساجد، بل على العكس قاومت وعرّت وكشفت أهل الشر والإجرام الذين فعلوا وما زالوا يفعلون ذلك، فلا تلوموا دراما المسلسلات التى تُعرض على الشاشات، بل لوموا دراما الرعب التى يقرأونها ويعلمونها لعصابات الجماعات.