فى ذروة معركة الإرهاب فى بداية تسعينات القرن الماضى، وبالتحديد فى رمضان ١٩٩٤، عُرض مسلسل «العائلة» الذى أثار زوبعة وقتها وصلت لحد إرسال تهديدات لكاتب المسلسل السيناريست الراحل العظيم وحيد حامد، نظرة على المناخ العام والظروف والملابسات التى كتب فيها المسلسل لا بد أن ننظر من خلالها ونستحضرها حتى نفهم مدى شجاعة وعناد المقاتل وحيد حامد، وقتها يكون قد مر عامان على اغتيال فرج فودة، وقد كانت تلك ذروة الموجة الإرهابية، فقد انتقل الرصاص من السياسيين ومَن هم فى السلطة إلى المفكرين البعيدين عن أى مناصب الذين لا يملكون إلا القلم والرأى، وهنا كان المحفز المستفز للفنان محمود مرسى لقبول الدور، حيث كان «مرسى» من ضمن حضور ندوة معرض الكتاب التى كانت سبباً فى الاغتيال، ولذلك قبل «مرسى» الدور متحمساً بعد تردد، ويقال إن عاطف الطيب كان مرشحاً للإخراج، ولكنه تردد فذهب المسلسل إلى إسماعيل عبدالحافظ، ولا أعرف مدى دقة هذا الكلام. المهم أن المسلسل كان فى أجواء مرحلة انتقالية خطيرة، توجه فيها الرصاص إلى صدور أصحاب الرأى، وقبل عرض المسلسل بشهور صدر أغرب قانون مكبل لحرية الإبداع، يمكن من خلاله للأزهر التدخل فى محتوى الفيديو من خلال الفتوى التى أصدرتها الجمعية العمومية برئاسة المستشار طارق البشرى فى فبراير 1994 بناءً على خطاب أرسله شيخ الأزهر وقتها لقسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة يطالب فيه باستصدار فتوى تحدد دور الأزهر فى التصدى للأعمال الفنية والمصنفات السمعية والبصرية التى تتناول قضايا إسلامية بشكل يتعارض مع الإسلام ومنعها من الطبع أو التسجيل أو النشر والتوزيع والتداول. ونصت الفتوى على أن «الأزهر الشريف هو وحده صاحب الرأى الملزم لوزارة الثقافة فى تقدير الشأن الإسلامى للترخيص أو رفض الترخيص بالمصنفات السمعية والسمعية البصرية»، وبذلك يقوم جهاز الرقابة على المصنفات الفنية بتحويل أى عمل يتعلق بالشأن الإسلامى للأزهر ليبدى رأيه الملزم بالسماح أو المنع، وكان مسلسل «العائلة» هو أول ضحية لهذا القانون، أرسل الأزهر اعتراضاً على الحلقة ٢٢ التى تحدث فيها كامل سويلم -الشخصية التى جسدها محمود مرسى- عن عذاب القبر معترضاً على أن هناك حسابين.. إلخ، وذهب رئيس قطاع الإنتاج لأخذ الموافقة على التعديل من الشيخ جاد الحق نفسه، وكانت الصورة الشهيرة المعبرة عن حالة الحصار على الإبداع، الأستاذ ممدوح الليثى واقفاً يقدم تعديلات السيناريو على شيخ الأزهر الجالس على مكتبه المهيب، وتم تقديم فروض الطاعة والولاء والاعتذار من خلال الحلقة ٢٨، على لسان الفنان حمدى غيث الذى جلس جلسة الشيخ الشعراوى فى برنامجه وصحح لمحمود مرسى خطيئته وأقر بعذاب القبر!، بعدها هوجم المسلسل من الشيخ الشعراوى والمفتى سيد طنطاوى والشيخ الغزالى والشكعة ومزروعة، وشيوخ ودعاة بالمئات على صفحات الجرائد، بالطبع لم يكن عذاب القبر هو الذى أزعج السلطة الدينية، ولكن الملفات التى فتحها «وحيد» بكل جرأة وقوة، مثل ظاهرة تحجيب الفنانات لقاء أموال، شركات توظيف الأموال وتدمير الاقتصاد، البنوك الإسلامية، تجنيد الشباب فى الجماعات المتطرفة، مليارديرات الدعوة الإسلامية. «وحيد» فتح النار على كل مظاهر الفاشية الدينية، لكن «التلكيكة» لذبح «وحيد» كانت قضية عذاب القبر!، التى كان المهاجمون يتحدثون عنها متحمسين متأكدين متيقنين وكأنهم رأوا هذا العذاب «لايف» رأى العين!، الدرس المهم هو أن الإبداع مستحيل أن ينمو أو يثمر فى صوبة السلطة الدينية.