مصيبتنا الخلط بين المجالات، وعدم وجود حدود فاصلة بين النشاطات، فلو حضرتك مدرب كرة قدم وتريد أن تعمل فى وظيفة داعية، فعليك بالاختيار ما بين أمرين؛ الأول أن تخلع التريننج سوت وترتدى العمة والجبة والقفطان وتذهب إلى أقرب زاوية لتخطب فيها، أو أن تهاجر وتذهب بالجبة والقفطان لتدريب منتخب «طالبان». المنتخبات -يا سادة- لا تفوز بالرقية الشرعية التى أصر عليها أحد المدربين، وإذا كانت الضرورة والإجراءات الاحترازية تفرض عليك عدم الذهاب لصلاة الجمعة فى مسجد مغلق، فعليك الالتزام بذلك ولا تلوى عنق آية أو حديث لدعم وجهة نظرك، فنحن فى ماتش كورة ولسنا فى رحلة عمرة، وإذا كنت مؤمناً بأن الشورت الشرعى فريضة إسلامية، وأن ظهور فخذ لاعب الكرة مثير ومهيج لجمهور المدرجات، فهذه قناعاتك، احتفظ بها لنفسك ولا تفرضها على شباب صغير ذاهب لمنافسة كروية وليس ذاهباً لغزوة إسلامية. فوزنا بكأس الاتحاد الأفريقى «الكاف» لن يحدث بالاعتكاف، المستطيل الأخضر لا يعرف إلا العَرَق والموهبة والحرفنة واللياقة البدنية، لا يعرف الفوز بالأدعية الدينية. الملعب لا ينطق الشهادتين ولا يصوم رمضان، الملعب يفوز فيه صاحب اللياقة الفنان. جميع بلاد العالم اختارت أوصافاً لمنتخباتها الكروية تحمل رائحة حبات عرق الجهد والجرى، منتخب الماكينات أو منتخب الطواحين.. إلخ، لكننا انفردنا دوناً عن باقى أرجاء الكون باسم وصفة منتخب الساجدين!، هذا ليس انتقاداً للسجود والركوع والصلاة على الإطلاق، ولكنه انتقاد لمرض الخلط الهمايونى الذى نفعله فى كل سلوكياتنا الاجتماعية والرياضية، وللأسف هذا السلوك الخالط «السلاطاوى» «الفخفخيناوى» الذى يضع أبوقرش على أبوقرشين كما يقولون فى الأمثال، هذا يهين الدين قبل أن يهين الرياضة، فلو فاز منتخب البوذيين على منتخب الساجدين، هل بهذا الفوز تكون الصلاة البوذية قد انتصرت على السجدات الإسلامية؟ وهل هكذا تكون قد انتصرت للدين أم خلخلت صورته وعرضته للهزيمة؟ كفانا خلطاً عبثياً للأشياء، هذا الخلط الذى يجعلنا دائماً فى منتصف المسافة، لا أرضاً نقطع ولا كأس عالم نكسب، نرجو من كل مدرب أن يركز فى خطط اللعب وتنمية مهارات اللاعبين، يسأل نفسه: هل سألعب بأربعة تلاتة تلاتة أو بأربعة اتنين أربعة؟ ولا يغرق فى سؤال: هل سألعب بابن تيمية أو بابن بلتعة؟! كرة القدم لا تسأل رونالدو عن علاقاته الخاصة وخمار زوجته، ولا تسأل عن شرعية ونسب أبناء ميسى، ليس هذا معناه أن لاعب كرة القدم لا بد ألا يكون متديناً، لا تعارض إطلاقاً، ولكن تدينه وعلاقته بربه هى علاقة خاصة، هى زاد روحى ونفسى له، مكانه القلب والفؤاد وليس الملعب والاستاد. الدين جوهره الضمير، والضمير فى كرة القدم أن تبذل قصارى جهدك فى التسعين دقيقة بكل تركيز فى أرض الملعب، واترك شئون السماء لخالق الأرض والسماء.