أتحدث معك يا دكتور أبوالفتوح فى البداية كطبيب، وأذكّرك بأن تأخر قانون زرع الأعضاء كان نتيجة الإصرار على إقحام الآراء الدينية الفقهية فى قضية طبية، ومازلنا لا نعرف من هو المسؤول عن، وفى رقبة من نعلق دم ضحايا تأخر زراعة الكبد نتيجة هذا الجدل الفقهى؟ المنقذ من هذا الجدل هو الحل العلمانى الذى هو حل يحتكم إلى الرأى الطبى المعتمد عالمياً فقط ويحترم تطور الزمن وتغير الظروف، وأيضاً يحترم مبدأ دينياً مهماً ألا وهو العدل وإنقاذ مريض من الموت وتخفيف الألم عنه، وهو مبدأ لا يختلف عليه أى دين وأى إنسان عاقل، هذا مجرد مثال على كيفية الاقتراب من حل مشكلة بالطريقة العلمانية المختلفة عن الطريقة الأصولية، والعلمانية أسلوب وليست عقيدة أو ديناً، هى مجرد أسلوب تفكير ومنهج تعامل وآلية حل، ولذلك فهى ليست ضد الأديان ولكنها أكبر ضمان لحماية الأديان، وأكرر حماية الأديان، لأن الفكر الأصولى يحمى ديناً واحداً ويقصى الآخرين، إنما الفكر العلمانى يحمى كل الأديان لأن همه الأساسى المواطن وسؤاله الأساسى هو عن هذا المواطن حاضره ومستقبله لا دينه وعقيدته،

وليسأل كل منكم نفسه عن المساجد التى شُيدت فى أوروبا من أموال دافعى الضرائب هناك بجانب الكنائس والمعابد اليهودية والبوذية، ويكرر نفس السؤال والبحث عن بلاد أصولية فى محيطنا العربى لا ترفض بناء الكنائس والمعابد فقط بل تمنع وتجرم بناء مساجد لأصحاب المذاهب الإسلامية المختلفة عن مذهب العائلة الحاكمة!

إذا كانت هناك آراء لمفكرين وفقهاء مسلمين معادية للعلمانية، فهناك على الجانب الآخر فى تراثنا آراء أخرى تعتبر علمانية صريحة، أليست علمانية أن يقول ابن المقفع «إن الدين يسلم بالإيمان، والرأى يثبت بالخصومة، فمن جعل الدين خصومة فقد جعله رأياً، ومن جعل الرأى ديناً فقد جعل رأيه شريعة»؟

أليست علمانية مقولة الأفغانى رداً على القديس أوغسطين الذى كان يقول إن سلطة الكتاب المقدس هى أكبر من جميع قوى العقل الإنسانى، فرد الأفغانى بحسم قائلاً: «إن الدين يجل عن مخالفة العلم الحديث، فإن وقعت المخالفة وجب تأويل الدين»؟!

أليست علمانية صرخة الإمام محمد عبده حين قال: «إن تعارض العقل والنقل أُخذ بما يدل عليه العقل، ولكل مسلم أن يفهم عن الله، وعن كتاب الله، ومن كلام رسوله دون توسيط أحد من سلف ولا من خلف»؟ أليست علمانية ما قاله عبدالقادر حمزة فى المقتطف ١٩٠٤ حين كتب «القرآن لا يتضمن سوى قوانين عامة لجميع الناس، وإن لكل أمة حق التصرف انطلاقاً من الحكمة المتضمنة فى هذه القوانين»؟

حين تقول يا دكتور أبوالفتوح أو يقول بعض الإخوان نحن لا نحتاج إلى العلمانية بل نحتاج إلى حزب ذى مرجعية إسلامية، من حقنا أن نسأل: من صاحب هذه المرجعية؟ حين تجيبنى «الله والرسول»، أجيبك بأنه ليس من حق أحد أن يحتكر الكلام باسم الله والرسول، فالله والرسول لن يحكما بنفسيهما، والوحى لم يعد يهبط على أحد، ومن حقى أن أسأل: هل ستتخذون الشيخ الغزالى مرجعاً حين رفض النقاب وهوجم فى السعودية أم ستتخذون رأى الشيخ عمر عبدالرحمن؟!

هل ستسمحون لى بأن تكون مرجعيتى الشيخ محمد عبده الذى حارب من أجل فكرة الوطن أم ستفرضون علىَّ رأى سيد قطب برفض فكرة الوطن، أو المرشد السابق الذى قال عن فكرة الوطن «طظ»؟!

هل من حقى أن أرفض مرجعية مفتى الإخوان عبدالله الخطيب الذى حرم بناء الكنائس أم ستفرضونها علينا بالقوة بصفتكم محتكرى الدين ووسطاءه الوحيدين ومفتيكم عبدالله الخطيب وليس على جمعة؟... إلخ!.

ألست معى فى أن العلمانية هى حل بسيط لكل هذه المشكلات والتناقضات، وأهم ما فيها أنها لا تدّعى العصمة، وإصلاحها ونقدها وتغيير قوانينها لا تعتبر ردة أو كفراً؟