عندما أعلن الرئيس الفرنسى ماكرون فى خطابه الأخير أمس الأول الجمعة أن «الإسلام دين يمر بأزمة عميقة»، غضب المسلمون فى أنحاء العالم وسيظل هذا الغضب حائلاً بيننا كمسلمين وبين فهم تلك الأزمة التى نعيشها والتى جعلتنا أكثر الأمم تصديراً للإرهابيين، وأكثر الدول فى نسب الفقر والتخلف، وأقل الدول إسهاماً فى الكشوف العلمية، والسبب فهمنا نحن كمسلمين لهذا الدين وفزعنا ورعبنا من تجديد الفكر الدينى، وخوفنا المزمن من أن هذا التجديد سيضيع الدين.. إلى آخر تلك الأوهام، التى تنعكس بالضرورة على طريقة تفكيرنا فى كل مناحى الحياة الأخرى، ودائماً نسمع الرد الجاهز والأسطوانة المشروخة والكليشيهات الجاهزة للرد المخدر الذى يقنع السلفيين دائماً، وملخصه «يعنى هو الإسلام بس، ما كان فيه إرهاب فى أديان أخرى وحملات صليبية.. إلخ»، والرد بسيط وهو أولاً نحن نتحدث عن الآن «دلوقتى» فى زمن ما بعد النهضة وفى زمن الحداثة، وهم اعتذروا عنها لكننا نحن لم نعتذر وما زلنا نصر على أن نسمى احتلالاتنا للآخرين فتوحاً!!، ثانياً المشكلة أن كل ماكان إرهاباً أو احتلالاً من الآخرين لم يعتمد على نصوص دينية مثل التى يعتمد عليها داعش وتتبناها القاعدة، المشكلة عندنا أننا قبل التفجير وبعده ومع مشهد الذبح أو القنص أو الحرق، نرفع آية للتبرير أو حديثاً للتمرير والإباحة بل والتشجيع، ويظل شيوخنا يدورون ويلفون حول هذا النص أو ذاك، فيقولون ليس هذا هو المقصود، لا، الإرهابى فهمها غلط، الحديث ضعيف، لا، التفسير ليس هو الوحيد بل هناك تفاسير أخرى.. إلخ، هذا الكلام نقوله لبعضنا، أما ماكرون والأوروبيون والغرب فلن يفهم هذه الالتفافات، لن يفهم إلا أن لديه آلاف الجثث فى تفجير مبنى تجارى أو مترو أنفاق أو حوادث دهس وطعن، وكل منفذيها يحملون أسماء عبدالرحمن وعبدالرحيم.. إلخ، هذا هو ما يراه لايف، لذلك كانت اقتراحات ماكرون التى لا نستطيع إدانته فيها، مثل أنه يتعين على كل جمعية ومؤسسة تطلب تمويلاً حكومياً أن توقع على ميثاق علمانى، ولم يذكر الإسلام فقط فقد قال سيكون هناك مشروع قانون، «بعد 115 عاماً على إقرار قانون 1905 (قانون فصل الكنيسة عن الدولة)، وسيهدف إلى تعزيز العلمانية وترسيخ مبادئ الجمهورية»، وقال ملخصاً فلسفة قراراته التى اعتبرها البعض ضد الإسلام فى قوله «هناك فى هذا الإسلام الراديكالى، الذى هو صلب موضوعنا... إرادة علنية لإظهار تنظيم منهجى يهدف إلى الالتفاف على قانون الجمهورية، وخلق قانون مواز، له قيم أخرى، وتطوير تنظيم آخر للمجتمع»، سنظل كمسلمين ندور فى هذه الحلقة المفرغة والأزمة المزمنة، نعيش فى وهم نظرية المؤامرة، رافضين أى تغيير مارتن لوثرى فى فهمنا للدين، نسجن أى فولتير يخرج محاولاً إيقاظنا من غفلتنا التى تفوقت فى مدتها وعمقها وغيبوبتها على سبات أهل الكهف، ماكرون كل جريمته أنه كان صريحاً، وأنه لم يعط مسكنات، أو يدهن كريمات، أو يرتدى قناعاً، وجد أن المهاجر الهندى يعيش فى بلده معه فى سلام وأمان والتزام بواجبات عمله وقوانين البلد الذى هاجر إليه، ووجد الآخر الذى لجأ إليه بعد أن مات أقاربه غرقاً فى البحر أثناء الرحلة، وأخذ معونة اللجوء، وجده يريد ميكروفون الأذان والصلاة فى منتصف الشارع والاستقلال بمدرسة إسلامية خاصة يعلم فيها ابنه أن المسيحى كافر واليهودى حفيد الخنزير، ويسعى لختان بناته ويرفض ممارستهن للرياضة إلا بالحجاب والنقاب!!، وبعد كل هذا نستغرب من ماكرون أن يلقى مثل هذا الخطاب الذى يحاول فيه أن ينقذ وطناً دفع ثمن العلمانية دماء وشهداء، فليس أقل من أن يدافع عنها ضد من يعيشون بأجسادهم فى باريس القرن الحادى والعشرين وبأرواحهم فى زمن داحس والغبراء.