أن تضاء أنوار المسرح الجاد والحقيقى، وأن تبث الحيوية فى أرجائه ثانية ويعود النشاط إلى خشبته، فهذا فى حد ذاته إنجاز يدعو للتفاؤل، سعدت جداً عندما دخلت إلى مسرح البالون لمشاهدة العرض المسرحى «فنان الشعب» عن حياة الفنان سيد درويش، فوجدت عائلات وأطفالاً، وما أدهشنى هو وجود عريس وعروسة بملابس الزفاف!!، عودة الحالة المسرحية وفن الفرجة من جديد بالفعل شىء يدعو للفرحة، حتى لو اختلفنا حول بعض تفاصيل العرض من الناحية الفنية، ولذلك أتقدم بالشكر لوزيرة الثقافة على عودة مسرح البالون لنشاطه وخاصة أن العرض القادم هو احتفالية للراحل محمود رضا، بالإضافة إلى إعادة عرض «سيرة الحب» بليغ حمدى، والشكر أيضاً لرئيس البيت الفنى للفنون الشعبية والاستعراضية المخرج المتميز عادل عبده، عرض «فنان الشعب» فى مجمله مبهج من خلال الأغانى الخالدة التى لن تموت لسيد درويش، ومن خلال تعريف الشباب الذى يجهل مَن هو سيد درويش والذى تربى ذوقه على نوعية رديئة من الموسيقى وأغانى المهرجانات، تفاعل جمهور المسرح مع أغانى الشيخ سيد والتى أداها بتمكن وفهم وحب أيضاً بطل العرض محمد عادل الشهير بميدو عادل والذى أتوقع له مستقبلاً كبيراً فى عالم الدراما، فهو يمتلك كل أدوات الممثل الجيد، العرض من الممكن أن أقول عنه إنه أغانٍ يتخللها القليل من الدراما، نقطة ضعف العرض هى الإيقاع الذى تاهت خيوطه، مناطق المباشرة كانت كثيرة، وتكرار مسألة أن سيد درويش كان هو المضاد لأغانى الهلس وقتها، جعل العرض يقع فى فخ المباشرة والتنميط، وتقديم الشخصيات المحيطة بسيد درويش بشكل مسطح باهت بدون النفاذ لعمق الشخصية، أهلاً نجيب الريحانى، إزيك يا بديع.. إلخ، لكن التفاعل بين «درويش» وهذه الشخصيات لم يتم تضفيره بشكل جيد، اللهم إلا علاقة سيد درويش بجليلة العالمة والتى أدت دورها الفنانة لقاء سويدان بشكل جيد، وقد أثبتت لقاء أنها فنانة استعراضية تمتلك كل مقومات النجاح فى هذا المجال، وهذا جانب لم يظهر من قبل لها وما أحوجنا إلى تلك النوعية الآن، أجمل ما فى العرض هو كم الأغانى الرائعة من تراث هذا العبقرى الذى رحل فى قمة التوهج وعز الشباب، وأضعف ما فى العرض هو تفكك اللوحات المسرحية وتناثرها وعدم ترابطها بالشكل الدرامى الجيد، لكن بالرغم من كل تلك الملاحظات، فإننى أتقدم بالتهنئة والشكر للمؤلف السيد إبراهيم والمخرج أشرف عزب وكل طاقم العمل من ممثلين، فالظروف التى يعمل فيها المسرح الآن ظروف ضاغطة يكون فيها القابض على مسرحه كالقابض على جمر النار، كل التحية لمن يشعل شمعة فى نهاية النفق الدرامى، فأبوالفنون هو الذى نراهن عليه لإعادة روح الثقافة الجادة إلى المجتمع المصرى، أضيئوا جنبات كل المسارح المهملة فى مصر ستجدون مواهب تتفجر وعقولاً تتنور وشباباً يهجر التوافه ويتفاعل مع الفن الذى لا يموت، فن المسرح.