وصلتنى رسالة طويلة من د. إيهاب الخراط، استشارى الطب النفسى ومدير برنامج الحرية من الإدمان ورئيس اللجنة الدولية للجمعية الوطنية لداعمى مرضى الإدمان والتعاطى بالولايات المتحدة الأمريكية، وهو ممن يتعاملون مع قضية الإدمان بشكل مجتمعى كبير ويؤمن بأنها قضية أكبر من أن يواجهها الطب فقط. يقول فى رسالته: لقد صار الاسم المُستخدَم فى التقسيمات الرسمية للاضطرابات النفسية منذ ثمانينات القرن المنصرم هو الاعتماد أو الاعتمادية Dependence، وحاولت بعض الأوساط العلمية استبدال هذا التعبير بالتعبير «القديم» إدمان Addiction لمدة طويلة من الزمن، لكن لفظ الإدمان لم يختفِ تماماً وعاود الظهور وبقوة منذ 2013. وقصة الكر والفر فى هذا المصطلح جديرة بالذكر، فلأكثر من 30 سنة ساد لفظ الاعتمادية فى كل مطبوعات منظمة الصحة العالمية، وفى تصنيف الأمراض الذى يخرج عن هذه المنظمة، وخاصة فى إصداره التاسع، والمراجعات الأولى للإصدار العاشر. لكن المتتبع يجد أن علماء الجمعية الأمريكية للطب النفسى كانوا الأكثر نفوذاً فى هذا الاتجاه، خاصة فى ما يصدر عنها من مطبوعات، وأشهرها الدليل التشخيصى والإحصائى فى إصداريه الثالث والرابع Diagnostic and Statistical Manual (DSM-III، DSM-IV)، حيث كانت هذه الأدبيات العلمية تنظر لكلمة إدمان على أنها لفظ ازدرائى. ومع ذلك ظلت الجمعية الأمريكية لطب الإدمان تصر على استخدام مصطلح «الإدمان»، وكذا الجمعية الدولية لطب الإدمان. وظلت بعض وسائل المؤسسات العلمية النافذة تستخدمه كمصطلح رئيسى مثل دورية «الإدمان» البريطانية، والمؤسسة القومية للإدمان هناك... إلخ. ترجع أسباب هذا التمسك بلفظ إدمان إلى أن كلمة الاعتمادية فى نظر كثير من العلماء ليست أقل فى ازدرائها من الإدمان. ومن أشد المتمسكين بلفظ «الإدمان» العلماء والنشطاء المدافعون عن فلسفة الخطوات الاثنتى عشرة (المدمنون المجهولون NA، ومدمنو الخمر المجهولون AA) على أساس أن هذا اللفظ: 1. أدق فى وصف الظاهرة بما فيها التصاق شديد وانشغال بمادة أو سلوك حتى فقدان السيطرة على النفس. 2. يجعلنا نفهم ظاهرة التنقل بين نوع من الإدمان وأنواع الإدمان الأخرى، أو الإدمان المتنقل، أى التحول من إدمان لنوع من المخدرات إلى إدمان نوع آخر: مثل التحول من الاعتماد على المخدرات إلى الكحوليات، أو الجنس، أو العمل. وذلك أيضاً بنفس معايير فقدان السيطرة والانشغال الدائم والتعاطى، رغم النتائج العكسية. 3. يجعلنا نركز على هيكل عام يحتوى على كل العناصر المشتركة للظاهرة الإدمانية، وهو مرض الإدمان نفسه، بدلاً من التركيز على نوع المادة مثل الهيروين، الكحوليات... إلخ (Miller، N. S.، 1995). ما معايير تشخيص الاعتماد على المواد المخدرة؟ وفقاً للإصدار العاشر للتقسيم الدولى للأمراض، الصادر عن منظمة الصحة العالمية، والإصدار الرابع للدليل التشخيصى والإحصائى للجمعية الأمريكية للطب النفسى، يتم التشخيص فى حالة وجود أى ثلاثة من المعايير التالية: 1. التحمل: وهو احتياج الشخص لجرعة أكبر للحصول على نفس المفعول وتجنب حدوث مجموعة أعراض الانسحاب (زملة الانسحاب). 2. صعوبة التحكم فى التعاطى أو التوقف: الرغبة المستمرة/ الاستخدام القهرى/ عدم النجاح فى التحكم فى التعاطى مع وجود رغبة شديدة فى التعاطى القهرى. 3. الوقت الكبير المُستهلَك فى الحصول على المخدر، أو التعاطى، أو التعافى من تأثيره. 4. التخلى عن الاهتمامات الاجتماعية والوظيفية والأنشطة الترفيهية. 5. الاستمرار فى التعاطى على الرغم من المشكلات الصحية والنفسية المعاكسة. 6. الاستمرار فى التعاطى على الرغم من العواقب المؤذية. 7. وجود أعراض انسحاب. القضية أكبر من تحديد المصطلحات، ولكن دائماً البداية هى التعريف الصحيح الذى سيؤدى بالتبعية إلى التشخيص والعلاج الصحيح، وسأعود كل فترة لتغطية جوانب تلك القضية، وجزيل الشكر للصديق د. إيهاب.