الشعارات الطائفية التى رفعها المعتصمون فى قنا كانت بمثابة قرصة عنيفة بالدم أيقظتنا من حلم جميل انقلب إلى كابوس، كنا قد تخيلنا أن مشهد التحرير الحضارى الرائع للمسيحى الذى يحمى المسلم فى صلاته، والمسلم الذى يحمى المسيحى فى قداسه، تخيلنا أن هذا المشهد ممتد يحتضن مصر كلها من الإسكندرية حتى أسوان، وجذرى يعيش فى نخاع الوطن ويسرى فى روح الأمة، غمرنا الاطمئنان حين مرت أيام الثورة من ٢٥ يناير حتى خطاب التنحى دون حادث اعتداء على كنيسة،

وارتحنا أكثر حين وصلتنا نتائج تحقيقات تؤكد أن انفجار كنيسة القديسين لم يكن انتقاماً طائفياً بل كان بالونة اختبار أمنية من العادلى، حتى استيقظنا على أحداث هدم كنيسة صول وحاولنا بلع ما روجه البعض وقتها من أنها فلول النظام، وقلنا فلنحاول إيهام أنفسنا بحكاية الفلول والأذناب والأزلام لتستمرالحياة والعيشة فى هدوء، وأهى حادثة وتعدى، بدأت الأحداث تتوالى من قطع أذن إلى تهديدات طائفية، حتى تزامنت أحداث قنا مع أبوقرقاص، وأنا شخصياً أعتبر لافتات التحرش الدينى وخطب التحريض الطائفى التى رفعت وقيلت فى قنا أخطر من مشاجرات «أبوقرقاص» بالرغم من العنف والدم فى الثانية.

فما يحدث فى قنا أكبر من مجرد مشاجرة، فهو يعبر عن وعى جمعى يصرخ محتشداً ويتحول إلى تحد وقطع طريق وكسر قواعد وآليات الحوار مع الدولة، يعبر عن نار تحت الرماد لم يفلح فى إخمادها مؤتمر يجمع رموز الدين الإسلامى والمسيحى، أو قبلات وزيارات متبادلة فى رمضان وشم النسيم، أو هتافات «يحيا الهلال مع الصليب» فى أفلامنا ومسلسلاتنا.

إذا كان اختيار المحافظ خطأً سياسياً فإن رفع هذه الشعارات الطائفية والأعلام السعودية هو خطيئة وطنية، هتاف «عايزينه مسلم» وغيرها من الهتافات المتشنجة جعلتنا نعيد النظر فى تاريخ محافظين كثيرين سرقوا محافظاتنا ونشلوا محافظنا!

ونهبوها ومصوا دماءها وكانوا مسلمين، لم يردعهم ما هو مكتوب فى خانة الديانة عن تقاضيهم للرشاوى وسرقاتهم للأراضى وتمتعهم بالمكسب الحرام، لم نسمع هتافاً يقول «عايزينه مصرى شريف»، «عايزينه مصرى أمين وخايف على مصالحنا»... إلخ،

لو ترجلت المظاهرات وسارعت الخطى حتى تصل إلى محافظة أسوان، ليتها تلقى نظرة على مركز مجدى يعقوب لعلاج أمراض القلب فى أسوان، كان من الممكن أن يهتف مجدى يعقوب من شرفة المركز حين يصله طفل مسلم ما بين الموت والحياة يبكى أهله طالبين إنقاذه، يهتف رافضاً «عايزينه قبطى»!!

ويرفض إجراء الجراحة نتيجة ثأر قديم وذاكرة اضطهاد فى طرقات قصر العينى وحجرات عملياته!

من حقكم أبناء قنا أن تتحفظوا على سمعة محافظكم وتناقشوا ذمته المالية وتاريخه المهنى وتتظاهروا حين تكتشفوا علامات استفهام مؤرقة أو نقاط حذر مشككة، أما أن تختزل القضية فى اسم ميخائيل فتتلبسنا الهستيريا وتصيبنا الأرتيكاريا منه ومن ديانته فهذه هى المأساة، وأرجوكم مجرد إطلالة على مانشيتات الصحف التى تقرأونها كل يوم، ورددوا أسماء كبار الفاسدين والحرامية الذين نهبوا هذا الوطن، منهم من يحمل اسم أو لقب أحمد ومحمد ومصطفى وفتحى.... إلخ، هل ردعتهم هذه الأسماء الإسلامية عن السرقة والنهب؟ هل وخزهم ضميرهم كلما استمعوا إلى من يناديهم بألقاب عائلاتهم التى تحمل أختاماً إسلامية وردوا ما مصوه من دم هذا البلد الغلبان؟!

ليس المهم اسم المحافظ ولا ديانته لكن المهم نظافة يده ونزاهة ضميره، وتذكروا أن المحافظ المسيحى السابق لقنا رفضه المسيحيون قبل المسلمين واعترضوا على أسلوبه، والكفاءة يا سادة ليست مكتوبة فى خانة الديانة ببطاقاتنا الشخصية، ولكن تعكسها تصرفاتنا وتحددها قراراتنا.