ملحق الناشر والكاتب الذى تصدره «المصرى اليوم» كل خميس يعتبر من وجهة نظرى أشجع خطوة على درب التصنيع الثقافى الثقيل، فهو من وجهة النظر الإعلانية لصحيفة مستقلة فى بلد كاره للقراءة ومخاصم للكتب لن يجلب إعلاناً واحداً ولن يدر دخلاً أو يضخ بنكنوتاً للجريدة، وبرغم ذلك أفسحت الجريدة أربع صفحات لهذا الملحق الكنز غير عابئة باعتراضات زمن البيزنس الذى تعتبر فيه الإعلانات بقرة مقدسة وصنماً معبوداً تقدم له القرابين على جثة أى فكر أو ثقافة.

أعاد لنا صناع هذا الملحق النادر أيمن عبدالهادى وماهر حسن وميلاد زكريا عصر المتابعات النقدية التى كانت تعتبر قاطرة الثقافة المصرية والضوء الكاشف الذى يأخذ بيدنا ويفرز الجيد والردىء،

كنا قد افتقدنا د. لويس عوض الذى كنا نستيقظ صباحاً فنجده يفرد صفحة فى جريدة «الأهرام» لقراءة قصيدة لأمل دنقل أو نقد ديوان لصلاح عبدالصبور أو مسرحية لنعمان عاشور أو قصة ليوسف إدريس، كان يدشن بقلمه الذى يشبه مشرط الجراح مدارس نقدية جديدة ويحرك تيارات ثقافية متعددة ويطور ذائقة قراء متعطشين لكل ما هو جديد،

كنا قد افتقدنا جواهرجى المواهب عبدالفتاح الجمل الذى خرج مبدعو جيل الستينيات والسبعينيات من معطفه، سخاء وكرم عبدالفتاح الجمل ونظرته الثاقبة فى الملحق الثقافى لجريدة المساء وحنوه واحتضانه للجيل الجديد من الأدباء وعدم خضوعه للابتزاز أو المجاملة جعلت هذا الملحق رحماً خصباً لولادة كل تيارات الشعر والقصة والرواية خاصة من الريف المصرى، فسمعنا عن البساطى وأصلان ويحيى الطاهر وبهاء طاهر والقعيد والغيطانى.. إلى آخر هذا الطابور المبدع العظيم.

المبدع يظل ورقاً أخرس حتى ينفخ فيه النشر والنقد الروح ويمنح حنجرته حق التصويت، وكما فعل رجاء النقاش مع الطيب صالح ومحمود درويش ونزار قبانى حين لمس بعصاه النقدية السحرية إبداع هؤلاء فخلق شرارة الانتشار والتعرف والنجومية لهم، ستفعل «المصرى اليوم» بهذا الملحق المتميز، وستزهر أشجار الإبداع المصرى أكثر وأكثر، فالمبدع لايكتب شعراً أو قصة لتظل حبيسة الأدراج ولكن لتنشر وتؤثر وتحرك مياهاً راكدة.

بعد غياب هؤلاء العمالقة لم يعد أمام المبدعين إلا مجلات الماستر محدودة التوزيع، والتى برغم أهميتها فقد كان بعضها صرخات تمرد من جيل محبط أعلن معظمه أننا جيل بلا أساتذة، وأن قتل الأب هو مهمة لا مفر منها لعبور جسر اللامبالاة النقدية.

عندما نضع كل هذه الآمال العريضة ونراهن على ملحق الناشر والكاتب فنحن لا نتغافل الدور المهم الذى لعبته مجلات وجرائد أدبية مثل إبداع وأخبار الأدب، ولكن لابد أن يوضع فى الاعتبار أن توزيع هذه المجلات والجرائد محدود ومرتبط بنوعية قارئ معين، ولكن بتوزيع «المصرى اليوم» الضخم من الممكن أن أكسب قارئ باب الرياضة وباب الفن وحتى قارئ الأبراج، سأكسب أرضاً جديدة وقراء جدداً وهذا هو المكسب الحقيقى برغم خسارة الإعلانات.