هناك كلمات ضخمة وكبيرة عندما تلقى على مسامعك لأول مرة وتقذف فى وجهك فجأة لابد أن تلجم لسانك وتصيبك بالخرس لتقع فى هوة الإفحام وتحسبها فصل الختام، من ضمن هذه الكلمات والعبارات ما قاله الأستاذ صبحى صالح، المحامى القيادى الإخوانى، عضو لجنة تعديل الدستور، أمس،

فى «المصرى اليوم»، أولى هذه الكلمات التى يظنها الأستاذ صبحى مفحمة هى تساؤل استنكارى يلقى كثيراً فى أى حوار ما بين شخص إخوانى مسلم وشخص مسلم غير إخوانى، السؤال هو: قل لى بقى يعنى مش عايز كلام ربنا، اعترض بقى؟!، أو«أى مسلم مش عاجبه كلام ربنا فدى مشكلته هو»، والرد على الأستاذ صبحى هو بمنتهى البساطة نحن بالطبع يعجبنا كلام ربنا لكن لا يعجبنا فهمكم أنتم لكلام ربنا، فالإخوان لم يحتكروا فهم كلام ربنا، والإمام على بن أبى طالب قال قولته الشهيرة: «القرآن حمال أوجه»،

وعلمنا أن القرآن لا ينطق إنما ينطق به الرجال، ومن حقى ومن حق أى إنسان مسلم يعيش تحت مظلة دولة قانون أن يرفض تفسيراتكم، ففهمكم لكلام ربنا شىء، وتقمصكم لدور وسطاء ربنا شىء آخر، لم يأخذ أحد شيكاً على بياض أو تفويضاً إلهياً يهددنا به إذا لم نفهم كلام ربنا على كتالوج الإخوان، نهدد بعدم دخول الجنة واحتكار حسابنا وعقابنا على الأرض بواسطة أصحاب قطع غيار الفهم الحصرى للنصوص، أنتم يا أستاذ صبحى لا تريدون إدخال عامل الزمن والمواءمات والمستجدات فى فهم النصوص، وتخلطون بين الدين والتراث.

رغم أن الإسلام دين احترم عامل الزمن حتى فى فلسفة وطريقة نزول القرآن نفسه، فتدرج القرآن فى أحكامه هو احترام لعامل الزمن، ودراسة أسباب النزول هو احترام لعامل الزمن، وانفتاح فهم الصحابة ومرونتهم هو خير تطبيق لفلسفة احترام الزمن وتطوره فى فهم النص، وأشهر الأمثلة فهم وتعامل الفاروق عمر مع نص المؤلفة قلوبهم الصريح الواضح الذى لا استثناء فيه ورغم ذلك خلط الفاروق هذا النص بعامل الزمن وسلط عليه ضوء المستجدات وتغير الظروف فمنعه وألغاه .

اللى عنده حساسية من القرآن أو دينه يعلن هذا صراحة!!، حنانيك يا أستاذ صبحى علينا نحن الرعايا البسطاء، هل من يختلف مع الإخوان هو مختلف مع الدين؟

هل وصلنا إلى مثل هذه الدرجة من التماهى والتماثل والتطابق والفوتوكوبى، حيث صار الإخوان هم الدين، وفتاواهم هى القرآن؟ الرد البسيط الواضح نحن ليس لدينا أدنى حساسية من القرآن، ولكننا لدينا حساسية من أن يدعى أى إنسان لا يمتلك صفة النبى المرسل أن فهمه للقرآن هو القرآن نفسه!،

ولماذا يفرض على شخص أن يتبنى تفسير الإخوان قسراً، ولا يتبنى مثلاً تأويل ابن رشد أو فهم المعتزلة أو رأى الشيخ محمد عبده؟!، النص مبدأ عام يمنحنا إشارات للفهم ويحترم قدرة العقل على التجدد وجسارته على احتواء الظروف المتغيرة، حتى الحدود التى يتحدث عنها الأستاذ صبحى والدكتور عزت والمهندس الحسينى تعرضت لتفسيرات متعددة لا يستطيع ادعاء احتكارها الإخوان وحدهم، وإذا لم نضع المستجدات نصب أعيننا فسنصاب بالجمود وتصبح حلولنا وإجاباتنا خارج الزمن، فهل على سبيل المثال سنظل نفكر بطريقة عقاب النشال الذى يسرق عشرة جنيهات فى الأتوبيس بحد قطع اليد لأن المسروق من حرز، ولا نقطع يد الهاكرز الذى يسرق بنكاً ويفتح الباسوورد لأنه ليس من حرز ولم تذكره كتب الفقه القديمة؟!!

حنانيك يا أستاذ صبحى، فنحن نختلف معكم فقط فى أن الإسلام لا يسكن فقط فى منيل الروضة حيث مكتب الإرشاد ولكنه يسكن ويقطن قلوب كل المصريين.