متى نستطيع أن نقول إن الثورة قد نجحت فى مهمتها؟! هل عندما يتم الزج بمبارك ورجاله جميعاً فى السجن والحكم عليهم بالمؤبد والإعدام فقط.. هل هنا بالتحديد نستطيع القول إن الثورة قد حققت غايتها المنشودة؟، محاكمة الماضى الفاسد مطلوبة لكن الأهم صناعة المستقبل.. الاحتفال الذى يطالب به البعض فى ميدان التحرير مطالبين بإعدام رجال النظام خلاله هو احتفال لا يتخطى حدود الثأر، ولكن الاحتفال الحقيقى الذى سنقول وقتها إننا قد حققنا حلم التقدم والحضارة، هو عندما نصنع الموتور المكتوب عليه «صنع فى مصر» ونكرم مبتكريه.

من الممكن أن يصف البعض هذا الحلم بأنه حلم ساذج، ومن الممكن أن يسخر البعض قائلاً: «هو ده سقف طموحاتك العلمية»، بالطبع ليس هذا نهاية الحلم أو قمة السقف، ولكنه مجرد أمل بسيط وإقرار واقع ومواجهة نفس ولوم ذات، فعندما قرأت منذ سنوات احتفاء واحتفالاً فى الإعلام بصناعة أول أستيكة مصرية، لم أعرف وقتها هل أضحك أم أبكى، لم أصدق أننا مازلنا نتعثر فى صناعة الأستيكة، قلت هى أكذوبة مثلها مثل أكذوبة صواريخ القاهر والظافر التى ضحكنا على أنفسنا وقلنا إنها فخر الصناعة المصرية، تساءلت: كيف لم نصنع موتوراً مصرياً من الألف إلى الياء حتى الآن ولدينا خمسون كلية هندسة وثلاثمائة معهد فنى وألف قسم ميكانيكا ومليون مهندس.. إلخ، وحتى الآن لا نمتلك حتى موتور ماكينة خياطه؟!.. نضحك على أنفسنا ونقول أننا نصنع السيارات، ونحن فى الحقيقة نجمع السيارات ولا نصنعها.. بدأ طموح صناعة السيارة الفيات فى الستينيات فى شركة النصر للسيارات، كان طموحاً جميلاً وثورياً، لكننا وقفنا محلك سر منذ هذا الوقت حتى الآن، حتى هذه اللحظة كله صينى وتايوانى، حتى هذه اللحظة لا عندنا موتور موتوسيكل ولا موتور عربية ولا موتور قطار ولا سفينة، وبالطبع لا موتور طيارة، ندرس الكتالوجات فى الكليات، ونتعلم المواصفات فى المدرجات، ولكن كل هذا لا يتعدى سطور المذكرات الجامعية إلى ساحة الحياة الواقعية.

عندما زرت ماليزيا وجدت الماليزيين يفخرون بمهاتير محمد ويختزلون ثورته الاقتصادية والاجتماعية فى شعار واحد «البروتون»، كان المرشد السياحى يشير إلى السيارة البروتون بفخر واعتزاز وكأنه يشير إلى معشوقته ويبثها شجون الغرام والهيام، وفى رحلات كوريا السياحية يظل مصنع هيونداى للسفن والسيارات مزارهم السياحى الأساسى، وتظل حكاية صاحبه الذى نحت فى الصخر من فقير مفلس إلى صاحب أكبر إمبراطورية يفخر بها الكوريون هى ملحمتهم التى يتغنون بها، كما نتغنى نحن بملحمة «أبوزيد الهلالى».

هؤلاء هم البشر الذين يحلمون بجد، ولا يغرقون فى سفاسف مناقشات هدم الأضرحة وقطع الودان والكمية المتاحة المباحة من خصلات الشعر!، كيف سنقاتل ونبنى ونحن لا نمتلك أن نصلح ترساً تالفاً أو صامولة بايظة فى طائرة ونصنعها فى مصانعنا؟! يظل كل صاحب سيارة بجانب سيارته العطلانة فى انتظار قطعة الغيار الأصلية من بلدها أو المضروبة من الصين، وإن لم توجد، فالشلل مصيره وهز الأكتاف هو إجابة الميكانيكى الوحيدة!

موتور مصرى هو بداية الطريق لوادى سيليكون مصرى ولاب توب مصرى ومفاعل نووى مصرى وطائرة حربية مصرية، وحينما نجتمع فى التحرير للاحتفال بأول سيارة صناعة مصرية مائة فى المائة سيكون هذا هو العيد الحقيقى للثورة المصرية، وسيكون كل رموز الفساد وقتها مجرد ذكرى.