عندما يسود الضباب الفكرى ويعمينا عن الرؤية والتمييز، وعندما ينتصر الضجيج الإعلامى ويصم آذاننا عن صوت المنطق الرصين الهادئ، عندها نحتاج إلى صوت العقل، لذلك سعدت برسالة د. عبدالمعطى بيومى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، الذى أجد فيه دائماً هدوء ورزانة ووسطية أزهرى متفرد جمع بين عقلانية الفلسفة الإسلامية وثراء الفقه ورحابة صدر العقيدة، رسالته كانت رداً على السلفيين الجدد الذين صدموا المجتمع بأفكارهم وأفعالهم، خاصة بعد أن قرروا أن يمارسوا السياسة بعد أن كانوا يعتبرونها من قبل رجساً من عمل الشيطان.

يقول د. بيومى: «أتابع بكل جد ما تكتبه عن السلفيين والمواطنة، وأقدر قلقك وقلق المجتمع من الظهور المستعلن الذى يحاول فرض نفسه على البلاد والعباد بمفاهيمه الجامدة البعيدة فى الوقت نفسه عن السلفية الحقيقية، وأوضح ما يكون بعد هؤلاء عن السلفية فى مسائل الجهاد، والعلاقة مع غير المسلمين، والمرأة سواء كان فى ولايتها أو فى تعدد الزوجات، وفى حقوق الإنسان، بل قيمة الإنسان نفسه، وعلاقته بأنظمة الحكم ومدى مشاركته فيه، وإذا قارنا بين ما كان عليه السلف الحقيقيون وعلى رأسهم رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأصحابه فى هذه المسائل لوجدنا أن مدّعى السلفية فى عصرنا لا يمتون إلى هؤلاء بصلة، خاصة فى مسائل الجهاد والمرأة ومعاملة غير المسلمين».

يعلق د. عبدالمعطى بيومى على ما قاله الداعية «أبوإسحق الحوينى» من شريطه «عن الولاء والبراء»، والذى يُرجِع فيه الحوينى فقرنا إلى ترك الجهاد عندما قال: «مش لو كنا كل سنة عمالين نغزو مرة واتنين، مش كان هيسلم ناس كتير فى الأرض، واللى يرفض... كنا ناخدهم أسرى، وناخد أولادهم وأموالهم ونساءهم، وكل ما يتعذر ياخد راس ويبيعها... إلخ».

ينزعج د. بيومى ويعلق فى رسالته على هذا الكلام قائلاً: «ما قاله أخونا الحوينى شىء مفزع عن صورة الإسلام لأنه يشوه الغاية من الجهاد ويفسد حكمه تماماً فى عصر النبى وفى كل العصور، خاصة عصرنا الحالى.. لم يكن الرسول يتاجر بالأسرى أو يتخذ من الجهاد وسيلة لمحاربة الفقر، فكلما احتاج إلى مال خرج إلى الحرب ليأسر بعض الرجال والنساء ويبيعهم!!!، لم تكن حروبه - عليه الصلاة والسلام - لهذه الغاية الخسيسة إطلاقاً، بل أبطل الرسول كل ثواب من كل قتال يراد فيه الثروة أو الشهرة أو أى هدف دنيوى».

ويضيف د. بيومى واصفاً هذا الكلام وهذه المعانى بأنها «تحريف لمقاصد الإسلام وحكمته ورحمته فى القتال، ومخالفة لمذهب السلف أجمعين وتحريض للعالم كله على الإسلام، بحيث لم يصل إلى مثل هذا التحريض والتشويه أكثر الناس عداوة للإسلام حتى ذلك الرسام المسىء للرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يصل إلى مثل هذه الصراحة فى تشويه أغراض الإسلام من القتال».

لكن ما هى أغراض الجهاد الحقيقية وما معناه الذى لابد أن نفهمه ولابد أن يفهمه العالم من حولنا حتى لا نتحول فى نظر العالم إلى قطاع طرق وطلاب حرب؟، هذا ما سيجيب عنه د. عبدالمعطى بيومى غداً إن شاء الله.